لا شك في أن تجربة جيش فتح إدلب فريدة وغير مسبوقة في مسار العمل المسلح خلال سنوات الثورة السوريّة، فلأول مرة، تدرك الكتائب أوزانها العسكريّة ومقدراتها، وتتلاقى الفصائل المختلفة فكرياً وأيديولوجياً على هدف عسكريّ واحد، ومحدد ضمن غرفة عمليات “مؤقتة” تستمر طالما استمرت الانتصارات وتتالت الإنجازات. لكن، وكعادة السوريين في استنساخ التجارب والنجاحات، أعلن عن تأسيس جيوش للفتح في القلمون، والمنطقة الجنوبية. ووجهت جبهة النصرة نداء لفصائل الغوطة المنضوية تحت القيادة العسكرية الموحدة، كل على حدة، لتشكيل جيش فتح الشام. يخال للمرء، وهو يرى جيوش الفتح تملأ المدن السورية، اقتراب سقوط النظام عسكريًا. لكن الناظر في تفاصيل التجارب الجديدة، وخصوصيات مناطقها، لن يجد ما يخالف ذلك فقط، بل يفزع من قتامة المشهد القادم، إن سار في سيرورته الحالية. فإذا ما بدأنا بجيش فتح المنطقة الجنوبية، والذي أعلن عنه يوم السبت 20 يونيو/حزيران 2015، وضم كلاً من جبهة النصرة، وأحرار الشام، وتحالف فتح الشام، ولواء إحياء الجهاد، وتجمع مجاهدي نوى، ولواء أسود التوحيد، ولواء أنصار الحق، ولواء العمرين الإسلامي، سنجده إطاراً للفصائل العسكرية ذات التوجه السلفي الجهادي، محدودة العدد والانتشار في حوران، أنشئ ليكون الموازن أو المقابل للجبهة الجنوبية، والتي تضم غالبية فصائل الجيش الحر، وتتبنى شعارات الثورة وأهدافها. وبمعنى أدق، جيش فتح الجنوب ذو هدف تقسيمي لا توحيدي، وإن حسنت نية المعلنين. فكما هو معروف، تعد المنطقة الجنوبية من أكثر الجبهات انضباطا، إذ تجتمع غالبية الفصائل تحت قيادة واحدة، وتتلقى دعما من مصدر واحد تقريبا، وتخطط لأعمالها بحرفية عسكريّة عالية، نجم عنها انتصارات سريعة وخاطفة (بصرى الشام، نصيب، اللواء 52). لذلك، من غير المرجح أن يمثل التشكيل الجديد إضافة نوعية للعمل المسلح، بقدر ما يبعث رسائل سلبية لفصائل الجبهة الجنوبية، ما دفع الأخيرة إلى إصدار بيان ترفض فيه التعاون، أو حتى “التعامل”، معه.
لا يختلف الحال في الغوطة الشرقية عما هو قائم في حوران، إذ تبدو دعوة النصرة إلى تشكيل جيش فتح الشام مناورة أخرى، لتصفية حسابات وخلافات مع جيش الإسلام، بعد أن أصبح قوة عسكريّة منضبطة ومنظمة في محيط دمشق، يجتمع مع بقية الفصائل ضمن “القيادة العسكرية الموحدة”، و” القضاء الموحد”، ويطرح إقليمياً ودولياً كشريك يمكن التعويل عليه، في قتال النظام وتنظيم الدولة، وضبط الفوضى في العاصمة وحوافها أمام أي انهيار جزئي أو كليّ لقوات النظام فيها. لا شك في أن الانتقادات الموجهة من النصرة وبعض الفصائل الإسلاميّة لجيش الإسلام وللقيادة الموحدة صحيحة في معظمها، خصوصاً اندفاع قائد جيش الإسلام إلى الاستئثار بالقيادة والتحكم بمفاصل العمل العسكري في الغوطة. لكن ذلك لا يبرر محاولات إطاحة القيادة الموحدة، والتي تمثل إطاراً تنظيمياً يجمع أكبر فصائل الغوطة وأقواها، كما أن النصرة، بدعوتها إلى تشكيل جيش فتح جديد، لا تسعى إلى توحيد الفصائل في الغوطة، بقدر ما تسعى إلى لعب دور قيادي، بديل عن جيش الإسلام وقائده زهران علوش الذي تنتقده، ما دفع الأخير إلى رفض دعوة النصرة، وطلب منها العودة عن قرارها الانسحاب من القضاء الموحد. عدا عن ذلك، فإن حضور النصرة وأحرار الشام أكان في المنطقة الجنوبية، أو في غوطتي دمشق، محدود مقارنة بالفصائل التي توجه إليها الدعوة إلى الانضواء تحت قيادتهما.
“التقاء الفصائل وتوحيد جهودها في تحالفات دائمة أو غرف عمليات مؤقتة غاية كل سوري مؤيد للثورة سئم الارتجالية التي وسمت العمل العسكري الثوري في السنوات الماضية”
نجح جيش الفتح في إدلب لأسباب عدة، من أبرزها أن الحيز الجغرافي الذي خرج عن سيطرة النظام هو امتداد للحيز الجغرافي والحاضنة الشعبية للفصائل المكونة له. وبناء عليه، يمكن القول إن جيش الفتح في إدلب، وكذلك القيادة الموحدة في الغوطة، والجبهة الجنوبية في درعا، هي تجارب مناطقية بالدرجة الأولى، لا يمكن استنساخها كما هي في الإطار الوطني، كما لا يمكن تعميمها في بيئة اجتماعية لا تقبلها أو ترحب بها. وقد توضح ذلك جليًا في معركة مطار الثعلة في ريف السويداء الغربي، إذا اضطرت فصائل الجبهة الجنوبية إلى إيقاف المعركة، بعد رفض شرائح شعبية من أهالي السويداء هذه الخطوة، وزيادة حدة الاستقطاب والانقسام الطائفي.
العربي الجديد=حمزة المصطفى