ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
من بين كل الخرافات التي تسري باعتبارها حكمة سائدة في واشنطن في أواخر سني أوباما، ربما تكون واحدة من أكثرها عناداً هي فكرة أن الرئيس “لم يفعل شيئاً” فيما يتعلق بسورية.
وفق روبرت فورد، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى سورية (2010-2014)، وهو الآن زميل رفيع في معهد الشرق الأوسط، فإن إدارة أوباما انتهجت سياسة “النأي بالنفس” فيما يتعلق بسورية، مدعياً أن الرئيس وغيره من كبار مسؤولي الإدارة “كانوا ما يزالون مترددين في استخدام كل الأدوات المتاحة من أجل خلق ضغط” على الحكومة السورية. وفي الأسبوع قبل الماضي، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن حوالي 51 مسؤولاً من المستوى المتوسط في وزارة الخارجية وضعوا نص “برقية استياء” موجهة لوزير الخارجية جون كيري، والتي يحثون فيها الولايات المتحدة على توجيه “ضربات عسكرية ضد حكومة الرئيس بشار الأسد”. ولاحظت التايمز أيضا أن منشقي “فوغي بوتوم” لطالما أبدوا غيظهم من رفض البيت الأبيض التدخل في النزاع في سورية.
ولكن، وبعيداً عن “رفض الانجرار إلى داخل النزاع في سورية” مولت إدارة أوباما ودربت بنشاط من يُدعون الثوار السوريين “المعتدلين” (الذين يعتبرون في الحقيقة متطرفين سلفيين في تشارك مع القاعدة) منذ العام 2013. وقد ساعدت جهود الإدارة الموازية -جهود بذلتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تبعتها أخرى من وزارة الدفاع- في زعزعة استقرار المنطقة والمساهمة في أزمة اللجوء وفي استهداف الحكومة السيادية لبشار الأسد، كما ساعدت في تقوية الموقف الجيو-استراتيجي لتنظيم “داعش”.
وكان الأسوأ هو أن وكلاء أميركا ما يزالون يعملون مع السنة المتطرفين المعارضين لحكومة الأسد العلمانية. حتى أن فورد اعترف علانية في كانون الثاني (يناير) من العام 2015 بأنه “لفترة طويلة من الوقت، أدرنا وجهنا ونظرنا إلى الجهة الأخرى بينما كانت جبهة النصرة والمجموعات المسلحة على الأرض -وبعضها يتلقى مساعدات منا- تنسق لعمليات عسكرية ضد النظام”.
وفي الحقيقة، ومع حلول العام 2015، أصبح تخيل معارضة “معتدلة” يزداد صعوبة باطراد. ووفق الصحفي غاريث بورتر، فإن “فكرة وجود معارضة مسلحة مستقلة معتدلة” كانت موجودة و”كانت ضرورية لتوفير ورقة تين سياسية تخفي التعويل الأميركي السري وغير المباشر على النجاح العسكري للفرع السوري من تنظيم القاعدة”.
وكانت الجهود الرامية إلى وقف الحرب غير المشروعة وذات النتائج السلبية التي تشنها الإدارة لتغيير النظام في سورية تتم بقيادة عضوة الكونغرس تولسي غابارد من هاواي. وفي العام الماضي، رعت غابارد التي سبق وأن خدمت دورتين في العراق، مشروع قانون لقطع التمويل عما تصفها غابارد بحرب “تغيير النظام في سورية”.
وبينما ينتظر أن يتم تمرير مشروع القانون المذكور للتصويت في مجلس النواب، رعت غابارد في الأسبوع الماضي طرح تعديل على قانون المخصصات الدفاعية، والذي سيكون من شأنه وقف تمويل ما يدعى برنامج “التدريب والتجهيز السوري”. وبينما جمع التعديل دعم 135 عضواً من أعضاء مجلس النواب، بمن فيهم محافظون أقوياء مثل عضو الكونغرس عن كارولينا الجنوبية تري غاودي ورجل الكونغرس عن ميتشيغان جوستن أماش، وديمقراطيين بارزين مثل المرشح لمجلس الشيوخ عن ميريلاند كريس فان هولن، فإن التعديل لم يمر في نهاية المطاف. وتزامنت هزيمة التعديل مع نشر وزارة الخارجية برقية الاستياء التي تدعو إلى توجيه ضربات عسكرية ضد سورية.
لدى أخذ هذه الأمور معاً نجد أن هذه التطورات مقلقة. فكما تلاحظ غابارد -محقة، إذا نجحت حرب تغيير النظام في الإطاحة بالأسد، فسوف يدخل على الخط كل من “داعش” و”القاعدة” لملء الفراغ. وبسبب هذا الاحتمال، الذي سيكون كارثة استراتيجية وتكتيكية وأخلاقية، يجب على السياسة الأميركية السعي إلى تجنب تحققه. وعلى العكس من تخفيف الأزمات الإنسانية واللجوء، فإن من شأن عمل عسكري تشنه الولايات المتحدة من جانب واحد أن يفاقم هذه الأزمات. ومع ذلك، تصر الإدارة، من خلال برنامج “التدريب والتجهيز” على تنفيذ مخططات أبغض حلفائنا في المنطقة، عبر ممارسة الضغط على الأسد ليغادر المشهد.
في كلمة لها في قمة الشعب في شيكاغو في عطلة نهاية الأسبوع، استهدفت غابارد مباشرة “المستائين” الواحد والخمسين في وزارة الخارجية. وحسب غابارد، فإن “ثمة الكثير جداً من الناس الذين لم يتعلموا من الماضي -لم يتعلموا أي شيء من العراق ومن الإطاحة بصدام حسين، ولم يتعلموا أي شيء من الإطاحة بالقذافي في ليبيا ومن الفوضى العارمة التي أتت نتيجة لذلك”.
وقالت غابارد لمجلة “ذا نيشن” في الأسبوع الماضي “إن تصعيد الحرب للإطاحة بالأسد سوف يزيد الأمور السيئة سوءا. وسيسبب التصعيد في المزيد من المعاناة والفوضى العارمة، ويقوي من شوكة “داعش” وتنظيم القاعدة إلى النقطة التي قد يكونان قادرين معها على الاستيلاء على كل سورية”. والنتيجة تعني الكارثة، وفق غابارد، بما في ذلك عمليات الإبادة الجماعية للأقليات الدينية والعلمانيين والملحدين، وأي أحد يرفض قبول النظرية الوهابية المتطرفة. وسوف تزداد أزمة اللجوء بشكل أساسي، ومن الممكن أن تفضي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.
لكن الدبلوماسيين المستائين يصرون على أنهم لا يدافعون عن “منحدر زلق ينتهي بمواجهة عسكرية مع روسيا”، وإنما فقط عن “تهديد معقول” من خلال رد عسكري أميركي مستهدف على انتهاكات النظام. ومع ذلك، وفق مسؤول في وزارة الدفاع، والذي تحدث مع مجلة “ذا نيشن”: “ماذا يمكن أن يحدث إذا أسقط صاروخ أرض-جو روسي من طراز سام طائرة مقاتلة أميركية فوق سورية؟ كما أن من الممكن استخدام صواريخ سام 400 لإسقاط صواريخ كروز الأميركية، ما يجعل الحرب لا تعود حرب وكالة. عندئذٍ، ما الذي يترتب علينا فعله لمواجهة ذلك؟ محاولة اقتلاع مواقع صواريخ أس 400 الروسية؟ يبدو هذا منحدراً زلقاً بالنسبة لي”.
ويقول المسؤول، الذي عمل ضابطاً في الجيش لمدة 20 عاما وكلف بمهمات متعددة في السفارات الأميركية في أنحاء العالم أن “برقية الاستياء” تشكل على ما يبدو حالة أخرى للمحترفين الذين استثمروا جهداً كبيراً بهدف إنجاز هدف سيء الطالع -إزاحة الأسد- بينما يرفضون قبول حقيقة أن الأولوية قد انتقلت إلى إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وقد يتطلب ذلك السماح للأسد بإعادة تأكيد سلطته”.
في التحليل النهائي، فإن السياسة التي تدعو إليها “برقية الاستياء” ستقود الولايات المتحدة على الطريق إلى الحرب مع سورية، وغالباً إلى حرب أوسع مع روسيا. وفي الأثناء، تمس الحاجة أكثر من السابق إلى محاولات تفكير جادة بهدف حمل الإدارة على التركيز على جهود قتال “داعش” وإنهاء الحرب الأهلية السورية، مثل محاولات عضو الكونغرس، السيدة تولسي غابارد.