ويرى مراقبون أن العملية السياسية وصلت إلى “طريق مسدود”، لا سيما أن الأسد جدد في خطاب له يوم الثلاثاء الماضي، تمسكه بالسلطة، ما يعني أنه ليس بصدد “التزحزح” عن موقفه الرافض لفكرة تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، تقود المرحلة الانتقالية من دونه، وهو ما تصرّ عليه المعارضة وتعتبره جوهر الانتقال السياسي المنشود، ومن دونه لا يمكن أن يتحقق سلام في سورية.
وكانت المعارضة السورية قد علّقت مشاركتها في المفاوضات خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي بسبب استمرار نظام الأسد في قتل السوريين وحصار المدن والبلدات، وعرقلته وصول المساعدات الأممية إلى آلاف المحاصرين، وتهرّبه من مسألة إطلاق المعتقلين، كما نصت قرارات أممية، وعدم اكتراثه بالعملية السياسية، واتخاذها وسيلة لشراء الوقت حتى يتسنى له تعديل موازين القوى على الأرض، اعتماداً على دعم روسي إيراني غير محدود. وتؤكد مصادر في المعارضة السورية أن العملية السياسية باتت بحالة “موت سريري”، ولا يلوح في الأفق أي أمل في إمكانية الدفع مجدداً نحو تحقيق اتفاق سياسي في ظل “تراخ أميركي”، وإصرار روسي إيراني على دعم نظام الأسد، وهو ما أكدت طهران وموسكو أول من أمس الخميس، في اجتماع عقده وزيرا دفاعهما مع وزير دفاع نظام الأسد، إذ أعلنا عزمهما على خوض معركة “حاسمة” في سورية.
في هذا الصدد، يحمّل نائب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، يحيى القضماني، والتي تمثّل المعارضة السورية، الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية وصول العملية التفاوضية إلى “طريق مسدود” بسبب “تقاعسها”، مشيراً في تصريحات لـ “العربي الجديد”، إلى أن واشنطن “سمحت لموسكو وطهران أن يمنعا إمكانية الوصول إلى حل قريب”، معرباً عن اعتقاده بأن “موقف أميركا هو المفتاح”. ولا يزال نظام الأسد متصلِّباً، ولم يبدِ مرونة تذكر في تنفيذ مقررات دولية تدعو إلى إطلاق المعتقلين، والذين تقدر منظمات حقوقية عديدهم بعشرات الآلاف، يقتل عدد منهم تحت التعذيب يومياً، كما يواصل النظام محاصرة مدن وبلدات سورية، ويمنع دخول مساعدات إنسانية عاجلة، وهذا ما أشار إليه الموفد الأممي في مؤتمره الصحافي يوم الخميس، لافتاً إلى أن النظام يمنع توزيع الإعانات الضرورية لإنقاذ حياة السكان، وموضحاً بأن موافقة النظام على إدخال مساعدات إلى مناطق محاصرة لا تعني وصولها بالفعل.
من جانبه، يقول المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، لـ”العربي الجديد”، إن دي ميستورا “يواجه الحقيقة”، مضيفاً: “لا شيء استجد لتبرير الإعلان عن جولة جديدة، فالنظام أغلق كل الأبواب التي يمكن أن تُفتح أمام المفاوضات”. ويضيف آغا “لا يزال مليون ونصف مليون سوري محاصرين، وبعد جهد كبير سمح بإدخال بعض المساعدات لمواقع محاصرة معدودة، ولم يسمح للباقين”، مشيراً إلى أن نظام الأسد “لم يفرج عن معتقلين، ولم يبد أي استعداد لقبول القرار الدولي، بل أعلن الأسد رفضه لتشكيل هيئة حكم انتقالي”.
وتسعى الأمم المتحدة إلى أن تبدأ مرحلة انتقالية في سورية في بداية أغسطس/ آب المقبل، ذلك أن دي ميستورا أعرب عن أمله في توصل الأطراف إلى اتفاق حول معايير الانتقال السياسي قبيل ذاك التاريخ، ولكن مصادر في المعارضة تستبعد تماماً التوصل إلى اتفاق كهذا، مشيرة إلى أن النظام “أفشل كل مسعى لإنهاء المأساة السورية من خلال تمسكه ببقاء بشار الأسد في السلطة، والذي أشار إلى أنه مستمر في سفك الدم السوري في رسالة واضحة مفادها بأن جهود المجتمع الدولي في البحث عن سبل لإيجاد حل سياسي ذهبت سدى، وربما لن يجد الموفد الاممي بداً من تقديم استقالته، كما فعل مَنْ سبقه، إلا إذا تدخل الطرفان اللذان يقومان برعاية العملية السياسية، أي موسكو وواشنطن، وأجبرا الأسد على الانصياع للقرارات الدولية، لكن لا يلوح في الأفق أمر كهذا”، وفق المصادر.
تجدر الإشارة إلى أن توقف المحادثات السياسية لم ينسحب على “المحادثات الفنية”، بحسب ما أشار دي ميستورا في تصريحاته الخميس، مشيراً إلى أن الوقت الراهن سيشهد عقد سلسلة من الاجتماعات الفنية “على مستوى منخفض” في عدة مدن لمناقشة قضايا مثل دور الجيش السوري، والمؤسسات الوطنية في البلاد بعد التوصل لأي اتفاق سلام. في هذا الصدد، أكد آغا أن الهيئة العليا للمفاوضات “تشارك في اللجان الفنية غير الرسمية”، مؤكداً أن الأمر يتعلق بـ”لجان خبراء، وهم ليسوا مفاوضين”.
تعقيباً على ذلك، يرى القضماني أن وجود المعارضة السورية في اللجان الفنية يعتبر أمراً “مجدياً”، مشيراً إلى أن هناك مشروعاً يعد من الأمم المتحدة عن القضية السورية بناءً على عمل هذه اللجان، مضيفاً: “لذلك أرى أن من الضرورة، والمصلحة ألا نقاطعها”.
العربي الجديد – محمد امين