في الظاهر، بدا المشهد في القاهرة يوم امس استثنائياً. ثمانية عشر من قادة جيوش الدول العربية اجتمعوا تحت شعار يشكل حلماً تاريخياً للجماهير العربية، وهو تشكيل قوة مشتركة لمواجهة ما يتعرض له الامن القومي العربي من تحديات ومخاطر.
ولكن في الواقع، فإن هذا الاجتماع العسكري لم يكن سوى خطوة إجرائية لتنفيذ مشروع فضفاض أقرّه القادة العرب، في قمة شرم الشيخ في آذار الماضي، ويصطدم بتناقضات في الاستراتيجيات، وتضارب في المصالح، واختلاف في تحديد الصديق من العدو، فضلاً عن غياب سوريا، بما تمثله من ثقل استراتيجي في الامن القومي العربي، ووجود تحفظات مختلفة على الفكرة من قبل العراق، الذي تردد انه لم يستشر بشأن القوة المشتركة في القمة الاخيرة، والجزائر، التي يتردد انها تتعامل مع الفكرة بفتور بالنظر الى الخلافات القائمة بينها وبين المغرب.
الاجتماع العسكري، الذي استضافته القاهرة يوم امس، جاء استجابة لقرار القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ بتشكيل قوة عربية مشتركة، والذي كُلّف بموجبه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي دعوة لجنة رفيعة المستوى من الخبراء العسكريين، تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة في الدول العربية، لرسم الملامح الأولية للقوة المشتركة، ومناقشة الإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشائها، على ان يتم عرض نتائج أعمال هذا الاجتماع على القادة العرب، عبر لجنة تضم رئاسة القمة الحالية (مصر)، والسابقة (الكويت) والمقبلة (المغرب)، في غضون أربعة أشهر بعد إقرارها في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك.
الاجتماع العسكري عقد في مقر الامانة العامة لجامعة الدول العربية، برئاسة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمود حجازي (باعتبار ان مصر هي الرئيس الحالي للقمة العربية)، وبحضور الامين العام للجامعة العربية ورؤساء أركان جيوش 18 دولة عربية وممثلين عسكريين عن ثلاث دول عربية اخرى، بينما غابت سوريا، باعتبار ان عضويتها معلقة في مجلس الجامعة العربية.
وقال الجنرالات العرب، في البيان الختامي لاجتماعهم، إنهم استعرضوا، خلال مداولتهم، الأوضاع الراهنة فى المنطقة العربية، وما تفرضه من تحديات خطيرة على الأمن القومي، وخصوصاً المخاطر المترتبة على العمليات التي تنفذها الجماعات الارهابية.
وشدد قادة الجيوش العربية على «ضرورة العمل الجماعي المشترك لإيجاد الحلول لقضايا المنطقة العربية، وعلى أهمية تشكيل القوة المشتركة، لتمكين الدول العربية من التعامل بفاعلية مع التحديات الراهنة، والاستجابة الفورية لمعالجة الأزمات التي تنشب فى المنطقة، بما في ذلك عمليات التدخل السريع، وغيرها من المهمات ذات الصلة، والتي تهدف إلى توظيف هذه القوة المشتركة لمنع نشوب النزاعات وإدارتها وإيجاد التسويات اللازمة لها».
وخلص الاجتماع العسكري إلى دعوة فريق رفيع المستوى للعمل تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة للدول الأعضاء في الجامعة العربية لدراسة كل الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، والإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوه العسكرية العربية المشتركة، فضلا عن الإطار القانوني اللازم لآليات عملها.
ومن المنتظر ان يعقد هذا الفريق اجتماعه في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، على أن تعرض نتائج أعماله على الاجتماع المقبل لرؤساء أركان جيوش الدول العربية.
من جهته، قال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في كلمته ، إن «تشكيل القوة العربية المشتركة ليس المقصود منه إنشاء حلف عسكري أو جيش موجه ضد أي من الدول»، لافتاً الى ان القوة المشتركة «هي إحدى الآليات المهمة لتفعيل العمل العسكري في المجالات العسكرية والأمنية وتحت ميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية».
وأشار العربي الى ان «التحديات المحدقة بالأمة العربية أصبحت تمثل تحديا جسيما وخطرا على الأمن القومي، بما يستلزم العمل على اجتثاث الإرهاب من جذوره… وهو ما يستدعي ضرورة اتخاذ قرار عاجل بإنشاء القوة المشتركة وعدم التردد في مساعدة الأشقاء لاستعادة أراضيهم التي تقع في قبضة الإرهابيين».
وذكّر العربي بأن «منظومة الأمن القومي لا تقف عند منظومة العمل العسكري، بل تشمل مجالات حيوية وركائز فاعلة لخلق نظام عربي قادر على صيانة وحماية الدول والحفاظ على وحدة ترابها، إضافة إلى الشق العسكري»، لافتاً إلى أن «التطورات بعد الحرب العالمية الثانية دفعت المنظمات، بما فيها الاتحاد الأفريقي، الى تبني قرارات مبتكرة لحماية السلم والأمن»، ومشدداً على «ضرورة أن تكون القوى العربية متعددة الوظائف وقادرة على التدخل السريع للمساعدة على حفظ السلام وتأمين عمليات الإغاثة وتبادل المعلومات بين الدول العربية».
من جهته، قال رئيس اركان القوات المسلحة المصرية الفريق محمود حجازي إن «القوة العربية المشتركة التى يتم بحثها الآن ليست موجهة ضد أحد، ولا تمثل محوراً أو تحالفاً أو تهديدا لأحد، وإنما تهدف الى مواجهة الإرهاب وحماية الأمن القومى العربي، الأمر الذي جعلها محل تقدير من جانب الأطراف الإقليمية والدولية».
وأشار حجازي الى ان «الجامعة العربية قد تبنت مبادرات سابقة لإنشاء مثل هذه القوة، إلا أن عوامل عديدة حالت دون تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي أحبط آمال الشعوب في تحقيق عمل عربي مشترك يهدف إلى حماية سيادتنا داخل أوطانا».
وفي تعليقه على التوقعات من هذا الاجتماع العسكري، قال مساعد وزير الدفاع الاسبق اللواء اركان حرب نبيل فؤاد لـ «السفير» إن «الاجتماع جاء للاتفاق على حجم وشكل القوى المراد تشكيلها»، مشيرا إلى «التشكيل فى حد ذاته لن تواجهه مشاكل كثيرة، ولكن المشكلة ستكون في عمل هذه القوى».
واشار فؤاد الى ان «الامر مرتبط بعدم وجود اتفاق في الرؤى والأهداف بين غالبية الدول العربية، فالقمة العربية الأخيرة أظهرت غياب الترابط بين الحكام العرب وعدم توافقهم حول القضايا العربية، حتى أن بعض رؤساء وملوك الدول العربية لم ينتظروا التوقيع على البيان الختامي لقمة شرم الشيخ وتركوا أماكنهم مبكرا».
وأضاف فؤاد «هناك أيضا اختلافات في طبيعة الدول المشاركة في القوة المشتركة نفسها، فهناك دول تعيش حالة من الثورات، وأخرى تخشى وصول الثورات إليها، وبعضها يحكمه نظام ملكي والبعض الآخر نظام جمهوري»، فضلاً عن ان «ثمة دولاً ولاؤها للقطر وليس للقومية، واخرى في أحضان الغرب، فيما يميل البعض الآخر نحو الشرق».
وأشار فؤاد إلى أنه «في غضون خلال ثلاثة أشهر سيتم التوصل إلى الشكل النهائي لهذه القوة المشتركة، بعد أن يتم الاتفاق بين ممثلي وزارات الدفاع والخارجية العرب خلال مجلس الدفاع العربي على تحديد مقدرات الجيوش العربية، ومدى مشاركتها في القوة الموحدة».
بدوره، قال الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم، في حديث الى «السفير»، إن «الاختلاف في السياسات بين الدول العربية قد يكون أحد المعوقات التي تعترض طريق تشكيل القوة العربية المشترك»، مشيراً إلى أنه من الصعب إيجاد اتفاق تام على قضية معينة حتى القضية الفلسطينية.
وأضاف مسلم أن «أخطر ما يهدد القوة العربية المشتركة أيضا هو اختلاف الأهداف والأولويات، وعودة شبح المفاضلة بين ما بات يعرف بالإرهاب الشيعي الحوثي التابع لإيران، والذي تهتم بمحاربته السعودية ودول الخليج، وما يسمى الإرهاب السني، والمتمثل في تنظيمات مثل داعش والقاعدة والإخوان، والموجه ضد مصر وليبيا والعراق».
والى جانب ذلك، يرى مسلم انه ما لم يتم وضع آليات محددة بشأن الميزانية والتسليح والقيادة فإن «الأمور اللوجستية، والتمويل، وتحديد الجهة المسؤولة عن طرق إعداد مسرح العمليات والتحرك على الأرض قد تمثل معوقات إضافية أمام القوة المشتركة».
جريدة السفير