أثقلت الحرب أوزارها على السوريين، فكانت الهجرة ملاذا لهم ومخرجا من بلد انعدمت فيه سبل المعيشة والأمان ليخيم الخوف والذعر على حياتهم .
من تهريب البضائع لتهريب البشر، يجني المهربون آلاف الدولارات يوميا عبر رحلاتهم في تهريب السوريين إلى تركيا ومن سواحلها لليونان، ظاهرة التهريب عبر الحدود مع الدول المجاورة لسوريا ليست بجديدة، لكن الغريب تهريب الشباب السوريين عبر الأحياء والشوارع في المحافظات والمدن التي تسيطر عليها قوات النظام، حيث نشر شاب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي منشورا ساخرا عن حاجته “لمهرب شاطر” ليتمكن الخروج من منزله و التنقل من حي لحي آخر في محافظة دمشق لافتا أنه من مواليد 1986، و أنه مطلوب لخدمة الاحتياط لتبدأ التعليقات الساخرة و المستهزئة بقرارات حكومة النظام.
لم يعد الشباب السوريون يكترثون بقرارات النظام المفاجئة بعد أن اعتادوا عليها، لكن لازال الخوف يسيطر عليهم فلا يستطيعون الخروج من منازلهم خشية أن تلقي قوات النظام القبض عليهم عند أحد الحواجز المقامة داخل المدن .
فقد انتشرت مؤخرا عمليات توقيف الشباب ابتداء من مواليد 1991 و حتى 1973، وكعادة نظام الأسد بعد كل قرار يصدره يخرج ليطمئن الشباب بعد أن اجتاحتهم موجة القلق، وذلك على لسان رئيس شعبة التجنيد عماد الياس في دمشق والذي أكد أنه لا تستطيع أي دورية إيقاف أي شاب يحمل “تأجيلة” دراسية، لكن الواقع للأسف ينافي ذلك.
ولعل الشباب العاملين في الدولة المستهدف الأول لخدمة الاحتياط حيث أصدر بشار الأسد مرسوما تشريعيا للعام 2015 بمنح العاملين الدائمين والمؤقتين في الدولة إجازة بكامل الأجر طوال فترة استدعائهم للخدمة الاحتياطية، و إن تخلفوا عن الالتحاق تتخذ بحقهم الإجراءات اللازمة.
و أدت حملات سحب الشباب للاحتياط لاختفائهم بشكل واضح في الأزقة والأحياء وفي المطاعم والأماكن العامة التي تشهد تواجدا مكثفا لدوريات النظام، كل ذلك أثر في ارتفاع حالات العنوسة و نقص اليد العاملة وتدهور الاقتصاد، خالد شاب من مدينة حمص من مواليد 1984 يقول:” لم أخرج من منزلي منذ أكثر من شهر، لأنني اخشى أن تقوم إحدى الدوريات بسوقي للخدمة”.
ويضيف خالد:” خسرت عملي نتيجة تغيبي عنه فلا خيار أمامي سوى ملازمة المنزل أو دفع مبلغ لأحد المهربين المتعاملين مع الضباط لأتمكن الخروج من المدينة والهجرة لإحدى الدول الأوروبية”.
ونتيجة لملازمة الشباب المنزل كانت مواقع التواصل الاجتماعي منصة يعبرون فيها عن معاناتهم و ينقلون الواقع المر الذي يعيشونه في ظل حملات الاحتياط بطريقة كوميدية و هزلية، ومنها ” جنة الشباب منازلهم” و ” دمشق كوكب للبنات فقط” ، وتداول بعض الشباب صورا على صفحاتهم الشخصية مرتدين فيها الحجاب ومتأهبين للذهاب إلى العمل وغيرها من الأساليب الساخرة التي تخفي وراءها ألف قصة وغصة.
كان الشاب السوري قبل الحرب سندا لعائلته ليصبح تواجده أكبر هم لهم، و يقعوا في دوامة يصعب الخروج منها وسط تحديات صعبة، ليجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر إما أن يعيشوا في المناطق المحررة تحت القصف أو أن يسلكوا طريق الهجرة ويبدؤوا حياتهم من جديد.
سماح خالد
المركز الصحفي السوري