تقاتل تركيا الآن على جبهتين، لكن يبقى القتال الحقيقي في سوريا وخاصة في مدينة منبج. في الواقع، قد تكون عملية منبج حاسمة للتحالف الكردي الأمريكي وكذلك للتعاون بين تركيا والولايات المتحدة.
ما هي أهمية منبج؟
أصبحت منبج المركز الجديد لمكافحة ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش). كل من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والنظام السوري بدعم من الضربات الجوية الروسية يتجه إلى منبج الآن. تقع منبج في محافظة حلب، ولكنها كانت تحت سيطرة داعش لمدة عامين.
هدف العملية النهائي هو إغلاق موقع استراتيجي لتنظيم داعش بين الحدود التركية ومدينة الرقة في وسط سوريا. مدينة الرقة لها قيمة رمزية باعتبارها أول محافظة خسرها النظام السوري في أوائل عام 2013، الأمر الذي جسّد غياب دمشق عن نطاق السيطرة. لقد كانت هناك رغبة قوية من جانب تنظيم داعش ف السيطرة على الرقة، باعتبارها المعقل القديم للنظام السوري، وموطن القوات الجوية السورية، مع قدرات دفاعية كبيرة.
وذلك فمن خلال قيادة الهجوم في الوقت نفسه تقوم قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري بتضييق الخناق على داعش. في الواقع، سيضطر داعش القتال على أربع جبهات مختلفة في وقت واحد: شمال وجنوب غرب الرقة، وحول منبج، وبالقرب من الحدود التركية مع سوريا، وفي الفلوجة في العراق. ومع ذلك، فإنَّ هذا التنظيم الجهادي لا يمكنه القتال على كل الجبهات، ومن المرجح أن يفقد المزيد من الأراضي.
تقع مدينة منبج على بُعد 25 ميلًا جنوب الحدود التركية، وتمثّل مركزًا استراتيجيًا لداعش حيث أسس التنظيم طريقًا لتهريب الأسلحة والأصول والمقاتلين الأجانب من أوروبا وآسيا.
ولذلك فإنَّ إعادة السيطرة على منبج ستعزل داعش، وتحرمه من طريق الإمداد الممتد من تركيا وتضعف إلى حد كبير قدرته على شن هجمات جديدة. وهذا من شأنه أن يكون الخطوة الأولى نحو استعادة السيطرة على سوريا وإعادة بناء بلد مدمّر اقتصاديًا.
وبالتالي، فإنَّ استعادة الرقة ومنبج هي مسألة مهمة على الصعيدين العسكري والسياسي للرئيس السوري بشار الأسد. كما أنَّ غزو معقل داعش الأول من شأنه “تعزيز صورة النظام السوري كقوة عسكرية فعّالة قادرة على هزيمة هذه المنظمة الجهادية.
التوترات الكردية في قلب حرب تركيا في سوريا
هجوم منبج له آثار أوسع على المستوى الجيوسياسي، والأهمّ من ذلك كله على العلاقات التركية الكردية. في الواقع، تتألف قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (التابع لحزب العمّال الكردستاني السوري)، ووحدات حماية الشعب الكردية. وقد شهدت المجموعة سلسلة من الانتصارات في الفترة الأخيرة.
تتطلع تركيا إلى الانتصارات العسكرية الكردية، ولا سيما التفكير في مدى قرب منبج من الحدود التركية. لطالما نظرت تركيا إلى استقلال الأكراد باعتباره تهديدًا خطيرًا لسلامة أراضيها أكبر من خطر داعش. الخوف الرئيسي في تركيا هو أن الأكراد سيربطون منطقة عفرين شمال سوريا بمدينة كوباني.
في الواقع، فإنَّ تفوق المقاتلين الأكراد داخل قوات سوريا الديمقراطية قد يثير التوترات الكردية-التركية القائمة بالفعل في المناطق القريبة من الحدود التركية، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحكم الذاتي في شمال سوريا.
في عدة مناسبات، أعلنت تركيا أنَّ عبور القوات الكردية نهر الفرات باتجاه الغرب يعُدّ خطًا أحمر. ويرى الرئيس التركي أردوغان أنَّ مثل هذا الإجراء سيكون دليلًا على استخدام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للقتال ضد داعش كذريعة للتوسّع الكردي.
في 3 يونيو، عبر المقاتلون الأكراد نهر الفرات. وهذا من شأنه إثارة رد فعل عدواني من جانب تركيا. ولذلك، فمن أجل طمأنة حلفائها، أكدت الولايات المتحدة أنَّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي سيترك منبج بمجرد الانتهاء من العملية، ويترك الساحة للأغلبية العربية.
هل حان الوقت لعقد صفقة؟
تركيا على أهبة الاستعداد، ولا تثق في الاستراتيجية الأمريكية-الكردية الجديدة. وفي حين يقول البعض إنَّ تحرير سوريا من تنظيم داعش يلغي الجهود الرامية إلى توحيد الأكراد، لا يمكن للآخرين إنكار التطلعات الكردية لإقامة منطقة فيدرالية تتمتع بالحكم الذاتي في سوريا.
في كل الأحوال، إذا واصلت تركيا إقحام نفسها في هذا الصراع، لن يبقى أمامها سوى خيارين كلاهما سيء: إما استخدام قواتها على جبهتين ضد داعش والأكراد، أو وقف دعم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وبالتالي تكبد عواقب دولية وخيمة.
في الوقت الحالي، تنهار الاستراتيجية التركية لعزل الحدود السورية-التركية عن جميع المقاتلين بغض النظر عن أصولهم. وفي حين أنَّ أنقرة تعاني من صراع داخلي مستمر مع حزب العمّال الكردستاني، قد تعقد تركيا صفقة لتظل منخرطة في القتال ضد داعش.
في الواقع، الثوار الذين تدعمهم تركيا كانوا يتراجعون في الشمال ضد داعش وخاصة في عزاز، التي تعتبر شريان الحياة الرئيسي للثوار السوريين، والتي تبعد نحو 75 كم غرب منبج.
بدون هذه الصفقة، قد تخسر تركيا كل شيء لأنَّ كل محاولة لإبعاد داعش من عزاز فشلت فشلًا ذريعًا. ويبدو أنَّ قوات سوريا الديمقراطية هي الحليف الوحيد على أرض الواقع، نظرًا لأنها ستغيّر قواعد اللعبة في مستقبل الحرب السورية وتعيد الهيكلة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط.
جلوبال ريسك إنسايتس – إيوان24