لم تعرف سوريا قط أي نوع من أنواع الحريات بكل معانيها ومعاييرها منذ عهد حافظ الأسد وحتى عهد بشار الأسد الإبن. وقد تجلى ذلك في تجربة الشعب السوري خلال فترة الأربع سنوات
ونصف من الثورة السورية، في مواجهة الاستبداد والظلم.
حيث عمد نظام الأسد على قمع تلك الحريات وخاصة الصحفيين والإعلاميين والناشطين، لممارستهم
حرية الرأي والتعبير، بهدف إخفاء الحقائق والممارسات الدكتاتورية التي يمارسها بحق الشعب
السوري، فلجأ إلى اعتقالهم وخطفهم وقتلهم.
بدأت الثورة السورية في موسم البنفسج….ثورة سلمية حملت كبرياء وشموخ وحزن أزهار البنفسج، التي
تلقي بذورها إلى الريح لتنشرها في أرجاء الأرض، كي تعلن كلما رفعت أجراسها نحو السماء، نهاية الشتاء وبداية
ربيع جديد.
باسل أحد معتقلي الرأي في سوريا خرج منذ فترة من سجون النظام، وقد روى لنا قصة اعتقاله، حيث قال: “كانت تهمتي هي امتلاك عقل استخدمته بطرق لا تناسب العقلية الأسدية، عقل يفكر بإنسانية ومنطقية الشعوب كافة في سعيها نحو الحرية، شعر النظام بالخوف والتهديد لأنني ورفاقي امتلكنا الجرأة لننشر عبق الحرية في سوريا، لم أكن الوحيد، بل كانت هناك باقة من أزهار البنفسج”.
و كانت وحشية النظام تبدو على سجانيه ا
الذين انتزعت الرحمة من قلوبهم الخالية من الإنسانية، متبارين على عرض أفضل ما لديهم من كلمات نابية لإذلال معتقلي الرأي.
يقول باسل: ” كان وقع كلماتهم علينا “أصحاب الرأي”أشد من الضرب الذي كان ينهال على أجسادنا، جمل مازالت تدوي
في أعماق تلافيف دماغي”.
و يعرف عن أفرع الأمن السورية أساليب التعذيب المميزة عند استقبال المعتقلين كافة دون أي دراية منهم عن السبب الذي
اقتيدوا لأجله.
ويكمل باسل :” بعد وصولنا إلى أحد الفروع الانتقامية، التي استقبلتنا بالرفسات واللكمات على طريقة الضيافة
الأسدية المعروفة، حيث قدموا لنا جميع أنواع الاهانات ووسائل الترهيب الإجرامية وبالنهاية تبين أنها
كانت زيارة تعريفية وترحيبية”.
يواجه معتقلو الرأي معاملة استثنائية لسبب اعتقاد النظام أنه أمسك، من ينظم حركة المثقفين الذين يحرضون بدورهم،
الوعي عند المواطنين، فيعاملون وكأنهم قادة لمجموعات مسلحة، فقد أسروا رأس الفتنة.
يقول باسل: ” أخيرا عرفت جلادي عندما بدأ بتفتيشي وأمرني بخلع جميع ملابسي، رمقته بنظرة استفهامية وأظهرت الغباء
فجاءني الرد سريعا بلكمة دموية على وجهي ليؤكد عدم مزاحه، وقفت عاري الجسد كما ولدتني أمي ليبدأ بحملته الإرهابية على جسدي”.
لم يعد في السجون السورية مكان لاستقبال المزيد من السجناء إلا أن النظام لجأ كعادته إلى التحايل في حل أزماته إذ يقوم بزج مئة و أكثر في غرفة لا تتجاوز بطولها وعرضها مترين، ويقوم أيضا بتصفية آخرين و يقوم بدفنهم في مقابر جماعية”.
يقول باسل: ” تلاصقنا سوية لنفرش أرض المهجع ففي كل سنتمتر تجربة، تعرفت خلالها على قدرة ذلك الجسد الرائع للشعب
السوري في التأقلم على كافة الوضعيات والأجواء”.
ويستطرد باسل في شرح تفاصيل اعتقاله: ” جلست وأصحابي في غرفة تتسرب منها رائحة ثياب عفنة نرمق بعضنا بنظرات
مواسية علها تزيد من تآزرنا و أغلبنا جفت الدماء على جراحنا التي لم نجد ضمادا لها ليقتادوا بعدها تسعة أشخاص
علمنا بعدها أنه تمت تصفيتهم “.
يضيف باسل: ” كنا في الغرفة متعددي الطوائف والديانات، نتقاسم سوية جرعات الألم اليومية و أغلبنا من الطبقة المثقفة
من صيادلة ومهندسين وكتاب وناشطين وصحفيين، يا لغرابة الموقف، تأكدت حينها أن الثورة ستستمر رغما عن أنفهم”.
ينهي باسل كلامه: ” أنحني وأخشع لذكرى ذلك المكان ففيه تألمت ولممت جراحي وفيه حزنت وفرحت وتوحدت آمالي
وأحلامي مع مئة وعشرين جسد وفيه سمعت مئات الحكايات التي حفرت في وجداني، ذاكرة معتقل ، ذاكرة ثورة، ذاكرة وطن،
ففي كل يوم يدخل ويخرج المئات من تلك الفروع التي باتت وظيفتها تدوير شعب اختار الحرية والكرامة”.
في المعتقلات يفشل التاريخ وتتعثر الإنسانية في تسجيل طرق تعذيب اولئك المعتقلين الذين كانوا مجرد أرقام سقطوا سهوا
في مستنقعات الأسد البربرية، فلكل رقم جسد ولكل جسد حكاية كانت حبكتها أصوات الألم والتعذيب.
المركز الصحفي السوري –سلوى عبد الرحمن