شهد فجر السبت تجدداً للاشتباكات بين فصائل الغوطة المتحالفة “فيلق الرحمن” و”جبهة النصرة” و”لواء فجر الأمة” من جهة، وبين “جيش الإسلام” من جهة أخرى، فيما تستمر “حركة أحرار الشام” بالتزام الحياد.
وأكد ناشطون في بلدة مسرابا اندلاع الاشتباكات بين الطرفين قرب بلدة مديرا المجاورة، من دون أن يستطيعوا تحديد الجهة التي بدأت الهجوم، مع تراشق الاتهامات من الطرفين حول تحمل اندلاعها.
وقد كانت “اتفاقية التهدئة” التي قبل بها “جيش الإسلام”، و”فيلق الرحمن” نيابة عن حلفائه، حددت نهاية الخميس لتنفيذ البند الأول فيها، المتعلق بسحب “جيش الإسلام” لقواته من مسرابا، واستبدالها بالشرطة المدنية، وعدم السماح لأي فصيل آخر بدخولها. وقد أصرّ أهالي مسرابا على أن تكون هذه أولى الخطوات لأنهم أكثر المتضررين من تحول بلدتهم إلى ساحة قتال.
لكن “جيش الإسلام” لم يقم بسحب قواته مخافة أن يقوم الطرف الآخر باستبدال تنفيذ بقية الخطوات بهجوم على مدينة دوما، معقل “جيش الإسلام”، التي تقع خلف خطوط بلدة مسرابا.
ومع الانهيار غير المعلن لاتفاق التهدئة، قام وفد من القوى المدنية، الجمعة، بزيارة قائد “فيلق الرحمن” النقيب عبد الناصر شميّر، لتدارك خطر انقطاع الحلول السلمية. ووافق شميّر على أن تُشكّل القوى المدنية “لجنة مفوضة لإيجاد أرضية مشتركة للحل في القضايا العالقة”. ولم يمنع ذلك اندلاع الاشتباكات بعد ساعات من قيام القوى المدنية بزيارة قادة “جيش الإسلام”. ما يؤكد المزاج العام لدى أهالي الغوطة الذين لا يعتقدون بإمكانية وجود حل سلمي للاقتتال.
“فيلق الرحمن” يصرّ على وجوب تسليم “جيش الإسلام” المتهمين بملف الاغتيالات، فيما يصرّ “جيش الإسلام” على اعتبار بداية الاقتتال “بغياً عليه”، ويطالب بتسليم من أفتى بشرعية قتالهم، ويجنح إلى استعادة هيبته بالقوة.
وقد أعلن المتحدث باسم “فيلق الرحمن” الجمعة أنّ جهود اللجنة المفوضة أوصلت مبدئياً إلى اتفاق على عملية إطلاق سراح للمعتقلين من الطرفين ستتم على دفعتين. الأولى تشمل العاملين في المؤسسات المدنية والعسكريين الأفراد، والدفعة الثانية القادة والأمنيين، بعد تطبيق الاتفاقية الموقعة بين الطرفين والقاضية بالانسحاب من مسرابا. ومن غير المعلوم بعد إذا ما كانت الاتفاقية ستظل قائمة بعد الاشتباكات الأخيرة.
وقد نشر مؤيدو “جيش الإسلام” في مواقع التواصل الاجتماعي بياناً، الجمعة، يصفون فيه “فيلق الرحمن” بفيلق “الإجرام”، ويتهمونه باعتقال 700 مقاتل من “جيش الإسلام”، وحرمان جبهات قتال النظام منهم. وردّ إعلاميو “فيلق الرحمن” بأنّ هؤلاء ليسوا مقاتلين، ولكنهم الأمنيون الذين ينتشرون بين المدنيين ويكتبون فيهم التقارير ويراقبون عناصر الفصائل الأخرى. وجزء منهم كان في القوة التي جهزها “جيش الإسلام” لمهاجمة مقرات “فيلق الرحمن” في زملكا.
وقد تعرضت بعض جبهات القتال مع النظام إلى خلل بسبب الاقتتال الداخلي الحاصل، وأهمها جبهة دير العصافير التي انسحبت كل قوات “جيش الإسلام” منها، ما استدعى قيام بعض أهالي دير العصافير بتولي جزء من ذلك الشاغر، فيما تكفل “فيلق الرحمن” بالبقية. لكن ذلك لم يحل دون تقدم قوات النظام، الأربعاء، قبل أن يشن “الفيلق” الخميس هجوماً مضاداً استعاد فيه ما تمت خسارته.
وفيما يستمر تقسيم الغوطة ونصب الحواجز وشلّ الحياة العامة بين مختلف مدن الغوطة وبلداتها، فإن مزاج إحباط يخيم على أهالي الغوطة بسبب هذا الاقتتال. ومع استمرار المظاهرات المنددة به، ضجّت أغلب منابر خطباء يوم الجمعة بالتحريض على أحد الطرفين.
ويعتقد كثيرون أن الاقتتال سيستمر لأشهر طويلة، بسبب عدم تسليم “جيش الإسلام” بالأمر الواقع الذي حجّمه في مدينة دوما وبعض البلدات المحيطة بها، بعدما كان يبسط سيطرته على كامل الغوطة الشرقية. كما أن “فيلق الرحمن” وحلفاءه لن يقبلوا بعودة “جيش الإسلام” وفروعه الأمنية إلى المناطق التي طردوه منها. ولا يبدو أن حلاً سلمياً سريعاً لأهم القضايا العالقة بينهما، يمكن إيجاده بسهولة.
المدن – عمر بهاء الدين