أحرزت القوات المدعومة تركيا تقدما مهما في مدينة الباب الاستراتيجية، وسط تلويح دمشق بإمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين تلك القوات والجيش السوري.
وقال وزير الدفاع التركي فكري إيشيك الخميس، إن مدينة الباب شمال سوريا باتت “تقريبا بالكامل” تحت السيطرة. وأضاف الوزير التركي “أن قوات أنقرة دخلت وسط المدينة (…) وهناك عمليات تمشيط واسعة النطاق”.
وكانت مدينة الباب آخر المعاقل الكبرى للجهاديين في محافظة حلب، منذ ديسمبر الماضي هدفا لقوات درع الفرات التركية، لبسط نفوذها عليها ومنع الأكراد من وصل الكنتونات الثلاث (عين العرب وعفرين والجزيرة) ببعضها البعض، وأيضا الحيلولة دون وصول النظام السوري إلى الحدود التركية.
وبدأت تركيا في 24 أغسطس عملية غير مسبوقة داخل سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع واشنطن في محاربة الجهاديين، لكن تركيا تعتبرهم إرهابيين.
ومن شأن السيطرة على الباب، وهي معقل للدولة الإسلامية يبعد 30 كيلومترا عن الحدود التركية، أن تزيد النفوذ التركي في سوريا حيث أقامت فيها فعليا منطقة عازلة، وأن تسمح للقوات التي تساندها أنقرة بالزحف نحو منبج (تسيطر عليها الوحدات الكردية) وصولا إلى الرقة معقل تنظيم داعش في سوريا.
ويطمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توسيع هذه المنطقة الآمنة لتصل مساحتها إلى نحو 5000 كلم2 الأمر الذي تعتبره إيران وروسيا خطا أحمر.
وتحصلت تركيا على ضوء أخضر روسي للتقدم صوب الباب، وسط معارضة إيران، ولكن على ألا يكون ذلك مقدمة لتوسع أكبر، بيد أن أنقرة انقلبت على ما يبدو على الاتفاق المبرم، خاصة بعد تشجيع أميركي واضح.
وترجم ذلك في إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته إقامة مناطق آمنة في سوريا، فضلا عن الزيارات المتواترة لكبار المسؤولين العسكريين الأميركيين إلى أنقرة وآخرهم جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي حيث تم بحث المسالة إلى جانب الاتفاق على التعاون في معركة الرقة.
وتركيا هي أول من دعا إلى إقامة مناطق آمنة على حدودها مع سوريا وذلك في العام 2013، حيث أن هذه المناطق ستحقق لها عدة أهداف بينها إعادة توطين اللاجئين الذين ناهز عددهم في تركيا المليونين، فضلا عن قطع الطريق على المشروع الكردي الانفصالي، وأيضا توفير منصة لشن المعارضة عملياتها ضد النظام السوري.
وفشلت في تسويق هذه الخطة لدى الإدارة الأميركية السابقة بيد أنها اليوم تجد أن هناك فرصة كبيرة لتحقيق ذلك في عهد ترامب.
والنقطة الأخرى والمهمة التي جعلت تركيا تصوب بوصلتها من جديد نحو الولايات المتحدة، هي الموقف العدائي الذي أبداه الرئيس الأميركي تجاه إيران.
وهناك تنافس بين تركيا وإيران على النفوذ في المنطقة وبخاصة في سوريا، وقد صعدت أنقرة مؤخرا من لهجتها تجاه طهران حيث اتهمتها بالسعي إلى نشر التشيع والتوسع في المنطقة.
وهذا المنحى التركي المستجد شكل استفزازا كبيرا لإيران وأيضا أوجد حالة من انعدام الثقة فيها لدى الكرملين الذي يبدو أنه في مرحلة إعادة تقييم العلاقة مجددا مع أنقرة والبحث في سيناريوهات بديلة عن التعاون معها في سوريا.
ويرى محللون أن تلويح دمشق بإمكانية المواجهة العسكرية مع قوات درع الفرات التركية، هو في واقع الأمر تهديد إيراني روسي غير مباشر لتركيا.
وقال وزير المصالحة السوري علي حيدر، الخميس 23 فبراير، إن دمشق تفضل أن تجري معالجة ملف التدخل العسكري التركي في شمال سوريا بشكل سياسي، لكنه لم يستبعد نشوب مواجهة عسكرية.
وأكد، في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية أن “سياسة سوريا لم تتغير وموقفها تجاه وجود القوات التركية لم يتغير، وهو اعتداء على السيادة السورية واحتلال، والباب مفتوح لمواجهة مباشرة بيننا وبين الأتراك”.
وأضاف “لكن بالتفصيل، اختيار المكان والزمان والآلية لهذه المواجهة متروك للقيادة السياسية والعسكرية، وقد يكون من المستحسن أن يعالج الأمر في المرحلة الأولى سياسيا، وأن لا يتحول إلى صدام مباشر”.
وهنالك عدة مؤشرات تكشف عن أن روسيا قد تفك ارتباطها بتركيا في الملف السوري، وتتخذ خطوة راديكالية. ومن بينها تغاضي موسكو عن الخروقات المتزايدة للجيش السوري لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي قوبل في إحدى الفترات بموقف حازم من موسكو.
وكانت روسيا وتركيا قد توصلتا في ديسمبر الماضي إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في سوريا، واستثني منه كل من تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام.
ومن المؤشرات الأخرى التي تعكس وجود تغير في الموقف الروسي إزاء التعاون مع أنقرة، هو التصريحات اللافتة للرئيس فلاديمير بوتين الخميس، والتي أتت متزامنة مع انطلاق مؤتمر جنيف 4 بين المعارضة والنظام السوري، والذي يتشكك الكثيرون في إمكانية أن يحقق أي خرق.
وشدد بوتين في تصريحاته على عدم المس من وحدة الأراضي السورية، في رد غير مباشر على مسألة إقامة مناطق آمنة، التي يراها البعض ربما مدخلا إلى التقسيم.
وأوضح الرئيس الروسي خلال لقاء مع ضباط الأسطول الروسي العائد من سوريا أن مهمة التدخل في سوريا الحفاظ على استقرار السلطات الشرعية في البلاد وتوجيه ضربة حاسمة للإرهاب الدولي. وتحاشت موسكو وفي الفترة الماضية الحديث عن السلطة الشرعية التي تراها ممثلة في الأسد، للإبقاء على الإيجابية التي سادت بينها وتركيا في الملف السوري قبل أن يدخل ترامب على الخط.
العرب اللندنية