قال تقرير صادر عن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا تحت عنوان “محكمة الإرهاب في سوريا أداة لتنفيذ جرائم حرب”، إن تحويل المواطنين السوريين إلى محكمة الإرهاب لا يخضع لمعايير واضحة، مشيرا إلى أن مجرد ضبط مواطنين سوريين وبحوزتهم شعارات تتعلق بالثورة، أو حتى احتواء هواتفهم المحمولة على أغانٍ تناهض النظام، كفيلة بأن تقلب حياتهم رأسا على عقب.
وتشير الأرقام إلى أن أكثر من ثمانين ألف مواطن سوري تم تحويلهم إلى محكمة الإرهاب التي أنشئت عام 2012.
وجاء في التقرير أن الحكومة السورية التي أعلنت إنهاء حالة الطوارئ، وألغت محكمة أمن الدولة العليا، أنشأت مكانهما محكمة الإرهاب وقانون الإرهاب، اللذين يشملان فئات كثيرة من المجتمع السوري، وخاصة نشطاء الثورة السورية السلميين وعشرات الآلاف من المتظاهرين، إضافة إلى مئات الناشطات السلميات، وحتى مئات الأطفال ممن تم اعتقالهم على خلفيات الأنشطة الثورية ومثلوا أمام محكمة الإرهاب.
صلاحيات واسعة
وقال المتحدث الرسمي باسم المركز بسام الأحمد للجزيرة نت إن “محكمة مكافحة الإرهاب تتشابه بدرجة كبيرة مع محكمة أمن الدولة من حيث الشكل والمضمون، لأنها تتمتع بجميع الآليات “القانونية” لقمع وكتم أي صوت معارض، ضمانا لاستقرار النظام واستمرار سيطرة فئة قليلة على جميع مفاصل الحكم وجميع مقدرات البلاد”.
وأضاف الأحمد أن قانون مكافحة الإرهاب يشمل فئات أوسع من المعارضين والمواطنين وهو أشد قسوة، ويكرّس عدم الاكتراث بحقوق الدفاع التي من المفترض أن يتمتع بها أي معتقل يمثل أمام أي محكمة في العالم.
وتناول التقرير أيضا محكمة الميدان العسكرية التي تم تحويل آلاف المعتقلين تعسفاً إليها -معظمهم مدنيون- حيث تمّ الحكم عليهم بأحكام قاسية، وصل أكثر من ثمانين حكماً فيها إلى الإعدام.
إضافة إلى تسجيل العشرات من حالات الضرب والتعذيب الشديدين لمعتقلين مثلوا أمام القضاة وقد أدميت أجسادهم ووجوههم من شدّة الضرب والمعاملة السيئة على أيدي العناصر الأمنية قبل مثولهم أمام المحكمة.
اعترافات تحت التعذيب
وأوضح الأحمد أنهم حصلوا على العديد من الشهادات تفيد بأن قضاة محكمة الإرهاب يعتمدون في إصدارهم الأحكام على التهم الأمنية الواردة في ملف المعتقل عقب تحويله من أحد أفرع أجهزة المخابرات السورية.
وقد ذكر أكثر من عشرة معتقلين سابقين أنّهم إمّا تعرضوا للضغط والإكراه أثناء عمليات التحقيق في الأفرع الأمنية أو تعرضوا للتعذيب الشديد لإجبارهم على الاعتراف بحيازة الأسلحة أو المشاركة في العمليات العسكرية، رغم أنّ جميع نشاطاتهم كانت سلمية بشكل كامل.
ولفت الأحمد إلى أن العديد من المعتقلين المحالين لمحكمة الإرهاب أكدّوا لقضاة التحقيق أن تلك الاعترافات انتزعت منهم تحت الضغط والإكراه والتعذيب، مشيرين إلى أن القضاة لم يلتفتوا إلى أقوالهم وما فتئوا يصدرون الأحكام استنادا إلى الاعترافات المنتزعة منهم تحت التعذيب.
” الحرمان من الحرية الذي يمارس على المدنيين في سياق محاكمات قائمة أمام محكمة الإرهاب أو المحاكم الميدانية، والحكم عليهم لاحقا بعقوبات السجن أو الإعدام، من قبل هاتين المحكمتين، يمكن أن يشكل جرائم ضد الإنسانية”
محكمة استثنائية
من جهته، صرح أحد المحامين -رفض نشر اسمه- بأن محكمة مكافحة الإرهاب هي محكمة أمنية استثنائية بامتياز، لا يخشى القاضي فيها إملاء وفرض رأيه فيها بإدانة أي متهم حتى قبل استجوابه والاطلاع على ملفه، بل ويعتبره عدوه الشخصي.
وذكر أن هذه الممارسات تلغي دور القانون والأدلة والمحامي، حيث لا إجراءات للمحكمة سوى إعطاء غطاء قانوني لأحكام صادرة مسبقا على جميع المتهمين بالإدانة، ومن يخلى سبيلهم يظلوا معرضين لإعادة الملاحقة أمام المحكمة نفسها.
ومن ناحية قانونية، جاء في التقرير أن الحرمان من الحرية الذي يمارس على المدنيين في سياق محاكمات قائمة أمام محكمة الإرهاب أو المحاكم الميدانية، والحكم عليهم لاحقا بعقوبات السجن أو الإعدام، من قبل هاتين المحكمتين، يمكن أن يشكل جرائم ضد الإنسانية.
كما بيّن التقرير أنه يجري ارتكاب هذه الأفعال ضمن سياسة ممنهجة تستخدم هاتين المحكمتين لتسهيل وتبرير ارتكاب أفعال فردية كالقتل والسجن التعسفي على المئات من المدنيين في سياق الهجمات واسعة النطاق ضد العديد من السكان المدنيين في الكثير من المدن السورية. وبناء على ذلك، فإن هذه الأفعال يمكن أن ترتب مسؤولية فردية لفاعليها في ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
المصدر : الجزيرة