تحليل إخباري ــ أنس الكردي
استطاعت المعارضة السورية المسلّحة تحقيق أكثر من هدف في آن واحد، من خلال معركة “وادخلوا عليهم الباب”، والتي بدأتها قبل أسبوع، بهدف طرد جيش النظام من مدينة الشيخ مسكين شمال درعا، والموجود في حواجز الناحية والجسر وبرج 8 آذار والشرطة العسكرية.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة جاءت استجابة لنداءات استغاثة من أهالي المدينة، إثر استقدام قوات النظام رتلاً عسكرياً كبيراً مكوناً من مئات الجنود وعشرات الدبابات والآليات لاقتحام الشيخ مسكين، إلا أن تقدّم المعارضة، حوّل قوات النظام من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع.
“ |
وحقّقت المعارضة أهدافها بالسيطرة على مدينة الشيخ مسكين، لتتمكّن بعد ذلك من قطع الطريق نحو بلدة أزرع، أبرز معاقل جيش النظام في درعا، والتي تحوي اللواء 12، والفوج 175، وقيادة الأمن العسكري، ومن ثم السيطرة على كتيبة الدبابات، الحجاجية، حقل الرمي، الأمن العسكري، الرحبة، سرية الكونكرس، الطبية، الشؤون الإدارية، حاجز حوي.
وبالتالي خرجت من سيطرة قوات النظام مدينة نوى، ثاني أكبر مدن محافظة درعا، والتي يقطنها 120 ألف نسمة، ومدينة الشيخ مسكين، رابع أكبر مدن حوران، لناحية عدد سكانها وهي عقدة مواصلات تربط عدداً من المحافظات السورية بالمنطقة الجنوبية، ودمشق، ودرعا، والقنيطرة، وتبعد عن مركز المحافظة نحو 22 كيلومتراً، لتكون الوجهة المقبلة للمعارضة نحو اللواء 82، شمال شرق مدينة الشيخ مسكين.
ومن أبرز الأهداف التي حقّقتها كتائب المعارضة عبر السيطرة على مدينتي الشيخ مسكين ونوى، وقطع الطريق نحو أزرع، هو انهيار خط الدفاع الأول لقوات النظام المتمثل في “أزرع- الشيخ مسكين- نوى”، والذي كانت تُطلق عليه هذه القوات “طوق حوران”، وكان المانع الرئيسي أمام تقدم المعارضين باتجاه الشرق نحو أزرع، وشمالاً باتجاه العاصمة دمشق.
وبما أن خط الدفاع الثاني لدمشق بالنسبة للثوار في درعا هو مدينة الصنمين، والتي تحتوي على الفرقة التاسعة، وألوية جباب التي تضم قواعد صواريخ طويلة المدى، فإنه أصبح من الممكن للثوار أن يخوضوا معركة مزدوجة نحو الصنمين، تحاصر المدينة من محور الشيخ مسكين جنوب الصنمين، ومن مدينة الحارة إلى بلدة غباب شمال شرق الصنمين، وسيتم بذلك حصار الفرقة التاسعة، والاتجاه إلى لواء زريقية (اللواء 78) ومقره شمال غباغب، ليتخذ مقاتلو المعارضة من غباغب منطلقاً إلى بلدة كناكر.
وكانت قوات النظام قد حاولت مراراً السيطرة على قرية دير العدس والتي تبعد مسافة 6 كيلومترات عن مدينة الصنمين، في القسم الشمالي من منطقة حوران جنوب دمشق، وتُعتبر أول قرية في سهل حوران من جهة جبل الشيخ وملاصقة لبلدة كناكر في ريف دمشق، ما يمنحها استراتيجية جغرافية مهمة، لكنها فشلت في السيطرة عليها.
ويبدو أن قوات النظام كانت مدركة للحصار الذي يمكن أن يقع في حال خسارتها الشيخ مسكين ونوى، فلجأت إلى زج المئات من المليشيات التابعة لها لاقتحام قرى جبل الشيخ، التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، خشية اقتراب مقاتلي المعارضة من العاصمة دمشق من جهة درعا وجبل الشيخ، عبر ريف دمشق الغربي والجنوبي.
لكنها فشلت في ذلك، وحاولت صرف الأنظار عن انتصارات المعارضة، ولها سابقة في ذلك، عندما حاولت بمساندة من مقاتلي “حزب الله” اللبناني اقتحام نوى في ظل تجييش إعلامي كبير، قبل أن تفشل في ذلك أيضاً، فلجأت بعدها إلى اقتحام قرية أم العوسج، الخاضعة لسيطرتها أصلاً، بهدف تحقيق انتصار وهمي يرفع معنويات جنودها، علماً أن القرية عبارة عن عشرة بيوت.
يكمن هدف استراتيجي آخر للمعارضين في الضغط على النظام السوري والحكومة الأردنية |
وثمة هدف استراتيجي آخر للمعارضين أيضاً، يكمن في الضغط على النظام السوري والحكومة الأردنية في آن واحد. الأخيرة لا ترغب في قطع الأوتوستراد الدولي، وتسعى جاهدة إلى الحفاظ على معبر نصيب، والذي يمثل أهمية اقتصادية كبيرة لها، لأنها تُدخل عبره الخضار والمنتجات السورية واللبنانية، إضافة إلى الاستثمار في المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، المحاذية للمعبر، بينما يستورد الجانب السوري عبره سيارات الدفع الرباعي وقطع غيار ومستوردات أساسية غيرها.
وبعد سيطرة المعارضة على الشيخ مسكين، أصبح بإمكانها قطع الأوتوستراد الدولي، وبالتالي قطع الإمداد عن مدينة درعا وبلدة أزرع، وقطع مرور الشاحنات باتجاه الأردن، وكذلك الأمر بالنسبة للانتصارات التي حقّقها مقاتلو المعارضة، بعد سيطرتهم قبل أسبوعين على حواجز رئيسية كأم المياذن والكازية والمعصرة، والتي كانت خطوط دفاع رئيسية عن المعبر الوحيد المتبقي مع النظام على الحدود السورية مع الأردن، وبالتالي أضحت المعارضة قاب قوسين أو أدنى من السيطرة عليه، ما يعني أنه أصبح هناك تهديدان حقيقيان لقوات النظام والأردن في آن معاً، في قطع الصلة الاقتصادية بينهما.
ولكن يبقى الهاجس الأكبر الذي يؤرق المعارضة عقب كل انتصار، وهو لجوء النظام إلى ارتكاب مجازر عبر القصف الجوي والبري. ويسود تخوّف عام بين الأهالي من أعمال انتقامية، على غرار ما حدث بعد سيطرة المعارضة المسلّحة على بلدة تل الحارة في ريف درعا الغربي قبل نحو شهر، إذ ارتكبت قوات النظام مجزرة سقط ضحيتها 18 شخصاً، بعد قصف بالطيران الحربي وصواريخ أرض-أرض، وهو ما حذر منه الائتلاف الوطني المعارض على لسان المتحدث باسمه سالم المسلط.
المسلط الذي ثمّن التضحيات التي بذلها ثوار درعا بعد التقدم السريع، إلا أنه “حذر من استهداف محتمل لكل منطقة يتم تحريرها، وارتكاب مزيد من القتل والتدمير باستخدام الصواريخ والبراميل المتفجرة، تطبيقاً لأسلوب النظام المعتمد على التدمير الوحشي ومنع إقامة مناطق مستقرة وآمنة تحت إدارة الثوار”.