لا يتوقع أن تتأخر ترجمة نتائج تفاهمات أولية عقدت بين أنقرة وموسكو حول سورية أخيراً، خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى نظيره فلاديمير بوتين، وما سبقها من تحضيرات تولاها فريق موسع من وزارة الخارجية بقيادة مولود جاووش أوغلو. تفاهمات يصرّ مراقبون أتراك وسوريون معارضون على وصفها بـ”الأوّلية” بما أن “الطموح الروسي ــ التركي كبير، ويصل إلى الرغبة بإيجاد حل سياسي للملف السوري” يراعي اللاءات التركية (لا وجود لبشار الأسد في مستقبل هذا البلد الذي يجب أن يبقى موحداً) والروسية معاً (الإبقاء على هيكل النظام ومؤسساته ومراعاة الحلفاء الجدد لموسكو في سورية والحفاظ على النفوذ الهائل الذي صارت تتمتع به روسيا هناك).
انطلاقاً من ذلك، يكشف مصدر سوري معارض مقرب من العقل التركي الحاكم، أن أبرز ما تمّ التوصل إليه خلال زيارة أردوغان إلى موسكو في التاسع من الشهر الحالي، كان تفاهماً مبدئياً على مراعاة الهمّ التركي الخاص بمنع تمدد القوات الكردية شرقي نهر الفرات باتجاه الحدود التركية تحت شعار محاربة تنظيم “داعش” وتحرير المناطق التي يسيطر عليها، على غرار ما حصل أخيراً في منبج الحلبية، وقبلها في كل من تل أبيض وعين العرب في ريف الرقة. وبحسب المصدر السوري المقرب من دوائر القرار التركي، فإن التفاهم الملموس الوحيد الذي اتفق حوله أردوغان وبوتين، ينصّ على عدم توجّه قوات ما يعرف بـ”مجلس سورية الديمقراطية” إلى مدينة جرابلس في ريف حلب على الحدود التركية، لمحاربة مقاتلي “داعش” الذين غادروا منبج، على اعتبار أن جرابلس كانت ولا تزال “خطاً أحمر” تركياً لناحية أن وصول المقاتلين الأكراد الانفصاليين إليها، يشكل خطراً على الأمن القومي التركي لجهة ما تسميه أنقرة تمدد “مشروع الاقليم الكردي”، الأمر الذي لن تسمح تركيا بحصوله.
وبحسب المصادر، فإن قوات “سورية الديمقراطية” لن تتجه بالفعل لتحرير جرابلس بموجب التفاهم التركي الروسي الذي يرى كثيرون أنه قد يكون بداية تحجيم لحزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)، أو على الأقل منع المزيد من تمدده في مناطق لا غالبية كردية فيها وتشكل حساسية بالنسبة للقيادة التركية.
وبموجب الاتفاق الأولي نفسه بين أردوغان وبوتين، لن يطول بقاء قوات “سورية الديمقراطية” التي تشكل تقاطعاً أميركياً روسياً، في السياسة والدعم العسكري، في منبج، ذات الغالبية العربية الكاسحة أساساً، وهو ما سيترجم قريباً بانسحاب المقاتلين الأكراد من المدينة، وترك إدارتها المدنية لأهلها المتبقين فيها أو الذين سيعودون إلى الجزء الذي لا يزال غير مدمر بالكامل.
وحول هذه النقطة، قد يكون أحد المخارج المطروحة لمنع حصول فراغ في منبج، بعد الانسحاب الكردي المسلح، وللحؤول دون عودة قوات النظام أو مقاتلي “داعش” إليها، أن يتولى العناصر غير الأكراد من قوات “سورية الديمقراطية”، من عشائر عربية ومليشيات مسيحية صغيرة، استلام الأمن فيها، ليكون هؤلاء نواة لمجلس إدارة مدنية بلا نكهة سياسية واضحة للمدينة التي تتألف ديمغرافياً من غالبية عربية ساحقة.
في مقابل ذلك، يشير المصدر إلى احتمال أن تتولى قوات تدعمها تركيا مهام تحرير جرابلس من “داعش” على اعتبار أن تركز مقاتلي التنظيم في هذه المدينة يزيد الضغوط على أنقرة نفسها، نظراً لأنها تحاذي الحدود التركية. ويرفض المصدر السوري التعليق على كلام نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما) فيكتور فودولاتسكي حول الرد التركي على الطلب الروسي بغلق الحدود مع سورية على اعتبار أنه “لا يزال من المبكر الحديث عن خطوة متقدمة كهذه”.
العربي الجديد