تقود الرياض منذ أكثر من عام نوعا جديدا ومتميزا مـن العمل الدبلوماسي الذي يتوازى مع التطورات التي بدأت في الساحة اليمنية، وتحديدا منذ انطلاق عملية عاصفـة الحزم ضـد المتمردين الحوثيين والميليشيات التابعة للرئيس المخلـوع علي عبـدالله صـالح.
الملفات الشائكة والمعقدة التي تتصدى لها القيادة السعودية أشبه بالسير في حقل من الألغام بسبب طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة المشتعلة بالصراعات، ولكن يبدو واضحا أن هذا الحراك السعودي يتركز بشكل كبير على الحد من التغول الإيراني في دول المنطقة ومن التدخل في شؤونها الداخلية، والمحاولات الإيرانية المستميتة لنشر الفوضى وبث الفتنة بين مكونات الدول التي استطاعت فعلا أن تصل إليها، ولعله ليس خفيا على أحد ما تمثله تلك التدخلات الإيرانية من خطر مباشر لا على تلك الدول التي تعاني الويلات والحروب فقط، ولكن على عموم المنطقة، وعلى دول الخليج العربي خصوصا لأن إيران لا تخفي أطماعها التاريخية في أن يتحول هذا الخليج إلى خليج فارسي، انطلاقا من فكرة “تصدير الثورة” التي ابتدعها الخميني قبل العشرات من السنين.
وعلى الرغم من أن السعودية حاولت الحفاظ على تهدئة الأمور مع الجار ثقيل الظل، وسعت على مدى سنوات إلى الإبقاء على نوع من الاحترام المتبادل، إلا أن طهران كان لها دائما رأي مختلف، بل إن كبار قادتها السياسيين والدينيين لم يفوتوا الفرصة في الكثير من المناسبات من التلويح برغبتهم في التوسع والتمدد والاحتلال.
ويمكن للمتابع أن يرصد ذلك التحرك السعودي، لا كما يحب البعض أن يصور الأمر بأن الرياض تبحث عن دور أكبر لها في المنطقة، لأن الحقيقة تقول إن الدور السعودي كبير تاريخيا، وليست بحاجة إلى تكبيره أكثر، بل على أنه سعي سعودي لتطويق تلك الرغبة الإيرانية في الاستفراد بالمنطقة وشعوبها بل واحتلال ما يمكنها احتلاله، وعملت أدواتها التي بدأت ذلك الدور مبكرا في رسم مخططها على الأرض، مستخدمة موضوعة التشيع والمظلومية التاريخية بل وتوجيه اتهام مباشر لكل من يخالفهم الرأي، من السنة طبعا، بأنهم أتباع يزيد بن معاوية وبأنهم يقفون وراء مقتـل “الحسين”، كمـا قـال رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. ويمكننـا أيضا وبسهـولة ملاحظة تلك النبرة من خلال تبرير إيران ومعها ميليشيا حزب الله الإرهابية لتدخلها العسكري في سوريا بذريعة حماية المقامات “الشيعية”، وكذلك من خلال الهجمة الشرسة التي شنتها وسائل الإعلام الإيرانية وتلك الموالية لها في أعقاب إعدام الشيخ السعودي نمر باقر النمر، الذي وجهت له اتهامات عديدة من قبل القضاء بالتحريض والتخطيط لأعمال إرهابية، وما أعقب عملية الإعدام من تداعيات همجية استهدفت السفارة والقنصلية السعودية في العاصمة طهران ومدينة مشهد.
ولذلك فإنه يبدو مفهوما، بشكل واضح، ذلك القلق الذي تبديه الرياض من أن تتحول المنطقة إلى لقمة سائغة، وأن تترك شعوبها لمسارات الفتنة الطائفية والتمزق والتهجير، وقد سجلت مناطق السنة في كل من العراق وسوريا تهجيرا اعتبر الأعلى عالميا منذ الحرب العالمية الثانية، دون أن يكون ثمة رادع حقيقي، وتحالف “استراتيجي” لا بغرض شن الحروب وإشعال النار، ولكن لإطفاء النيران المشتعلة أصلا، وإجبار إيران على الاقتناع بكونها “دولة” وليست “ثورة”، كما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وكي تقتنع إيران بأنها دولة فيجب على الدول الإقليمية أن ترسم لها حدودا واضحة، وأن تفرض عليها عزلة في محيطها إن أمكن، بحيث تعود إلى حجمها الطبيعي وتكف عن الحلم باستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية البائدة منذ المئات من السنين.
ولهذا فإن الخطوات السعودية المتلاحقة والمتوازنة تلقى ارتياحا في الشارع العربي واستطرادا الإسلامي، لأن تركيا وباكستان مثلا ليستا في مأمن من الأذرع الإيرانية الخبيثة، كما لم تكن نيجيريا، رغم البعد الجغرافي، بمنأى عن تلك الأذرع ولا عن الفوضى التي تحملها أينما حلت.
أخيرا فإن النشاط السعودي والحراك الذي لا بد أن تنعكس نتائجه إيجابيا على المنطقة لا يسيران أعزلين، ولعل مناورات “رعد الشمال” كانت بمثابة رسالة تحذيرية مبطنة أرادت دول التحالف الذي تتزعمه الرياض أن تقول من خلالها إن لدينا حلولا أخرى إن لزم الأمر ذلك.
كاتب سوري
العرب ثائر الزعزوع