وسط الهدوء الذي يخيّم على بعض المدن والمناطق القابعة تحت سيطرة النظام في سوريا، دخلت تلك المناطق كمدن حماة وحمص واللاذقية وطرطوس ودمشق مرحلة جديدة من التسلّط الأمني عليها وعلى اقتصادها بشكل كامل، ليحكم النظام قبضته الأمنية من جهة، ويحتكر اقتصاد هذه المدن من جهة أخرى.
ولم يقف تسلّط النظام ولجانه الشعبية وقوات دفاعه الوطنية التابعة له على المناطق التي يسيطر عليها عند عمليات السرقة والنهب والسمسرة على المعتقلين والتجارة بأثاثات منازل المطلوبين لهم، بل بات كبار شبيحة النظام وكبار الضباط يسيطرون على اقتصاد تلك المناطق عن طريق بسط أيديهم على المطاعم الشهيرة وعلى المحال التجارية الكبيرة والأماكن السياحية واستثمارها عن طريق القوة بعقود تفوق مدتها العشر سنوات، وذلك بحسب الناشط الميداني في حماة سامي.
ويتابع سامي في حديثه لـ”العربية نت” بأن أكثر من سبع مطاعم كبيرة في حماة باتت تحت إمرة كبار الشبيحة في المدينة بعد أن استثمروها بالقوة من مالكيها الأصليين، وقد قاموا بإعادة تأهيل تلك المطاعم بعد أن دُمّر بعضها أثناء العمليات العسكرية في حماة في السنوات السابقة، وافتتاحها وجعلها مقراً لاجتماعاتهم ولحفلاتهم التي لا تخلو من الخمور والنساء في ساعات الليل حتى في شهر رمضان المبارك، واحتكار هذه المطاعم واستثمارها لصالحهم فقط، ومنع المدنيين من دخول بعض تلك المطاعم لتكون مكاناً لهؤلاء الضباط ولهوهم دون أن يعكر صفوهم أحد.
ويقول عامر أحد شبّان مدينة حماة بأن شبيحة النظام في حماة وضباط المخابرات فيها كالشبيح طلال الدقاق وعلي الشلّي العاملين في ميليشيات الدفاع الوطني والمخابرات الجوية باتوا يملكون معظم محطات الوقود في حماة، بالإضافة إلى 3 أماكن من المتنزهات في المدينة علاوةً عن محال تجارية لبيع الأجهزة المحمولة والطعام والشراب.
كما أن هؤلاء الشبيحة بدأوا بافتتاح محال تجارية كبيرة لبيع الأثاثات المستعملة في حماة وحمص ودمشق وطرطوس من خلال ما يتم سرقته من المناطق التي يسيطرون عليها ومن منازل المطلوبين لهم، فأصبحت تلك المحال تبيع الأدوات الكهربائية وأثاثات المنازل بنصف سعرها وبأقل من ذلك أحياناً، وذلك من خلال محالهم التجارية والتي يروجون لها عن طريق أسعارهم المخفضة، بحسب عامر.
كم اتخذ معظم قياديي الأمن والشبيحة في حماة تجارة السيارات مهنة لهم، يتاجرون خلالها بالسيارات المسروقة والمخطوفة من أرجاء سوريا، وخاصة من مدن حلب وحماة وحمص، وبسعر أقل، ويقومون بإيصالها للمكان المطلوب تحت اسمهم ورعايتهم ومن ثم تغيير مواصفاتها في مديرية المرور في مدينة حماة لعدم الكشف عنها فيما بعد.
وقام بعض رؤساء تلك الميليشيات بافتتاح معارض لسيارات مستعملة في حماة وريفها ليبيع تلك السيارات وبشكل علني، دون أن يردعه أحد.
في ذات السياق، قام أحد مسؤولي الدفاع الوطني بحماة “علي الشلّة” بفرض مبالغ مالية وصل مقدارها 125 ألف ليرة سورية على جميع المحال التجارية في سوق السيارات في حي غرب المشتل في حماة وذلك تحت حجّة الحفاظ على ممتلكاتهم من السرقة وحمايتهم من الخطف، بالإضافة إلى أن تذهب هذه المبالغ لدعم حملات النظام العسكرية مع تدني المستوى الاقتصادي للنظام السوري.
وأفاد أبو حسن أحد القياديين العسكريين في الجيش الحر بريف حماة بأن كبار الشبيحة في حماة باتوا يملكون ملايين الليرات السورية بعد إعطاء النظام الصلاحيات الكاملة لهم منذ عامين وحتى اليوم، حتى بلغت أرصدة البعض منهم أكثر من ثمانية مليارات ليرة سورية، وذلك جميعه من عمليات السرقة والنهب من المدنيين وعمليات الخطف التي كانوا يمارسونها عبر عصاباتهم في حماة كالمدعو علي الشلّي المعروف بعصاباته الخاطفة والتي لا تطلق سراح المخطوف إلا بما يزيد عن خمسة ملايين ليرة سورية.
وأشار إلى أن جميع هذه الأموال وبعد أن جمعوا أرصدة كبيرة في البنوك، باتوا يستثمرونها بشكل علني في المطاعم والمحال التجارية وفي شراء الأبنية السكنية وذلك بهدف تشغيل هذه الأموال والحصول على مردود أكبر، وجميع هذا كونهم متأكدين من نهاية نظامهم السوري ولهذا فهم يسعون بشتى الوسائل لجمع أكبر ما يمكن جمعه من الأموال من أجل الأيام القادمة التي حتماً ستحمل تشردهم خارج البلاد معها مع سيطرة الثوار على سوريا.
وبحسب نضال، الحاصل على شهادة بكالوريس في الاقتصاد فإن استثمار الأموال من قبل شبيحة النظام وتسلطهم على موارد المدن والبلدات في سوريا، وحصرها بأيديهم، أوقف جزءاً كبيرا من العمليات التجارية لرفض التجار خارج سوريا من التعامل معهم، بالإضافة إلى أن اليد العاملة في حماة وفي المدن التي يسيطرون عليها باتت معظمها من الطائفة العلوية ومن شبيحة النظام ليبقى شباب سوريا خارج إطار هذه الاستثمارات التي لا يعود ريعها سوى للنظام وأتباعه.
ولفت نضال إلى أن حتى رفع وخفض أسعار الليرة السورية أمام الدولار الأميركي هو أحد أهم أسباب هذا الأمر، فالمتحكم الأول والأخير بأسواق سوريا هم رجال النظام وضباط مخابراته وميليشياته، وهم المسؤولون عن تصدير واستيراد كل شيء بحسب ما يريدون وبالأسعار التي يحددونها دون أدنى رقابة من قبل مؤسسات الدولة عليهم وعلى محالهم التجارية، وهذا ما جعل الحياة في هذه المدن مكلفة للغاية إلى درجة أصبحت الأسعار فيها تصل إلى أكثر من عشرة أضعاف سعرها السابق ما قبل انطلاق الثورة السورية.
العربية نت