فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاستفتاء التاريخي, الذى انتهى قبل أيام, بعد أن صوت 52% من الناخبين الأتراك لصالح التعديلات الدستورية التي طالما طمح إليها الرئيس التركي وأصبح بإمكانه أن ينفرد بالعديد من الصلاحيات الواسعة بعيداً عن البرلمان لتدخل تركيا عصراً جديداً, من المحتمل أن يقوم أردوغان بإعادة ترتيب الأوراق على جميع الأصعدة بالشكل الذي يراه مناسباً وعلى طريقته الخاصة, وقد يعيد تشكيل الدولة التركية بعيداً عن الأسس التي وضعها مصطفى كمال أوتورك للجمهورية التركية الحديثة, بحيث يتوقع العديد أن تتحول البوصلة التركية نحو المحيط الإسلامي وتبتعد عن المحيط الأوروبي الذي يبدو وكأنه مستاء لدرجة كبيرة من نتائج الاستفتاء التركي الأخير..
وعلى الفور وبعد إعلان نتائج الاستفتاء خرج أنصار الرئيس التركي إلى الشوارع والساحات احتفالاً بنصر زعيمهم, في حين أصيب مناصرو المعارضة التركية بالذهول والصدمة وهم يرون أن بلادهم تنتقل لمرحلة جديدة يصفونها بأنها بداية انتقال تركيا إلى الحكم الجبري الديكتاتوري.
لماذا تخشى المعارضة التركية من النتائج؟
تتهم المعارضة المتمثلة بعدد من الأحزاب وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري حزب العدالة والتنمية بالسعي الحثيث من أجل الهيمنة على جميع المفاصل السياسية في البلاد على الصعيد الداخلي والخارجي منذ أكثر من 15 عام حتى اليوم, وتعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو العقل المخطط لهذا الطموح من أجل قلب موازين السلطة لصالحه يوماً من الأيام, في حين أنهم يعلمون جيداً أن دور المعارضة في تركيا اليوم اقتصر على الإجتماع فقط عندما يريدون معارضة أردوغان, وما عدا ذلك فإن أحزاب المعارضة لا تمثل سوى المصالح الضيقة لكل منها, وتهمش بعضها بعضاً, وفي نفس الوقت هي تدرك جيداً حجم فشلها في إيجاد طروحات سياسية شاملة وناجحة مثلما فعل حزب العدالة والتنمية وأردوغان الذي تمكن عبر سنوات من التخطيط لأن يحافظ على مستوى ثابت من الشعبية والتأييد له في مختلف المناطق التركية, وازدادت شعبية حزب العدالة والتنمية حتى في المناطق ذات التركيبة الديمغرافية التي قد لا تتوافق مع جذور العدالة والتنمية ونهجه “الأربكاني – المندريسي” وفي نفس الوقت بدأت أحزاب المعارضة تتقلص شيئاً فشيئاً إلى سياسة الهوية والإقليم, وخير دليل على ذلك هو بروز دور حزب معارض جديد ليس كسابقاته من الأحزاب ذات النزعة القومية التركية التي كرسها أتوتورك, وهو حزب الشعوب الديمقراطي الذي حظي بتأييد قاعدته العرقية من الأكراد الذين يشكلون حوالي 20% من الشعب التركي, إضافة لجذبه عدداً من الأتراك الليبراليين الذين يهتمون بالمرأة والحريات الاجتماعية, حيث أدى نجاح هذا الحزب المتصاعد في يونيو 2015 إلى دخوله البرلمان, وحرم حزب العدالة والتنمية الأغلبية في البرلمان للمرة الاولى, أما اليوم فقد عاد حزب الشعوب إلى حدود تأييده العرقي ضمن الوسط الكردي فقط بعد أن نجح أردوغان في كسب تأييد القوميين الأتراك بعد انهيار اتفاق السلام مع حزب العمال الكردستاني, فعاد القوميون الأتراك الذي ناصروا حزب الشعوب إلى سابق عهدهم بمعاداة المكون الكردي نظراً لعودة ممارسات حزب العمال الكردستاني الإجرامية مجدداً, حيث لقي أكثر من 2000 شخص مصرعهم منذ انتهاء وقف إطلاق النار, من بينهم أكثر من 100 شخص لقوا مصرعهم بتفجيرات السيارات المفخخة التي شنها حزب العمال في غربي تركيا, وقد ساهمت هذه الاحداث مجتمعة في انهيار التصويت غير الكردي للحزب, بل إن الحزب فقد قدراً كبيراً من الدعم حتى في مناطق إقليمه إن صح القول.
أروغان يقتنص الفرصة من جديد:
صحيح أن نتائج الاستفتاء الأخير كانت على وشك الدخول بنتيجة تطيح بالحلم الذي يطمح له الرئيس التركي نظراً للفارق البسيط بين النسبتين, إلا أن الرئيس التركي عرف كيف يسخر الظروف والبيئة الشعبية في الداخل التركي لصالحه جيداً عن طريق دهائه السياسي الذي يعترف به المعارضون قبل المؤيدين, حيث تمكن أردوغان خلال حملته الاخيرة من طمس جميع خصومه في أحزاب المعارضة مجتمعة بعد أن استفاد من أخطائهم السياسية الجسيمة حتى أن أردوغان أظهر بعضهم بمظهر “الإرهابيين” امام الجمهور التركي, إضافة إلى احتواء مشاعر الأتراك بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة..
يبدو أن تركيا دخلت فعلاً مرحلة جديدة قد تنهي الشكل الاتاتوركي من ذاكرة الأتراك إلى الأبد لتحل مكانها بصمة الرئيس رجب طيب أردوغان على اسم تركيا القرن الواحد والعشرين لعقود طويلة قادمة..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.