من جديد تواجه تركيا حلقة جديدة من مسلسل درامي حقيقي بكل تفاصيله وأحداثه, أو بالأحرى أصبحت مسرحا أساسيا لأحداثه ومجرياته، مسلسل حلقاته متباعدة ولكن ظهورها خاطف ومفاجئ.
نحن نتحدث عن دراما تركية من نوع آخر: دراما الانفجارات التي باتت تشكل هاجسا مرعبا للجمهورية التركية الحديثة، ولكن اللافت للنظر هو الوجوه المبهمة والخفية للممثلين الاحترافيين الذين نجدهم وفي كل مرة يؤدون المهمة الموكلة إليهم بطريقة تحرج السلطات التركية التي تبدأ بتوجيه وتوزيع الاتهامات لخصومها الجدد والتاريخيين .
لكن الأمر ليس غريبا لأن تركيا دولة محورية وذات دور إقليمي كبير ولاعب أساسي مهم في منطقة الشرط الأوسط وحتى أوروبا، إذا لا يحق للمراقب الخارجي للشأن التركي التساؤل عن الغاية من هذه الهجمات؛ لأن المبررات كثيرة، من أهمها الحد من الدور السياسي التركي المتعاظم في المنطقة وإشغال القيادة التركية بالأمن الداخلي لحرف أنظارها ولو بدرجة قليلة عن الخارطة السياسية الإقليمية التي يكثر فيها اللاعبون.
ففي رأي العديد من السياسيين العرب والدوليين تعتبر الحرب الدائرة في سورية هي الحدث الأبرز الذي ألقى بظلاله على الواقع الداخلي التركي وكانت له انعكاسات كبيرة بدأت تتحول في بعض الأحيان إلى أداة تضرب عمق الأمن القومي الداخلي في تركيا، وعند كل مناورة سياسية تقوم بها الحكومة التركية على الصعيد الدولي كتطبيع العلاقات التركية مع كل من روسيا وإسرائيل مثلا في الأيام السابقة نجد أن بعض الأطراف المعادية للسياسة التركية في المنطقة تقوم بتوجيه ضربة استباقية تصيب العمق التركي بالداخل، كما جرى أمس من أحداث دامية، كان مطار “أوتوتورك” الدولي الساحة الحاضنة لأحداثها.
على ما يبدو أن هذه الأطراف تريد وفي كل مرة توجيه رسالة سياسية عن طريق طرقها للبوابة الأمنية التركية وإظهار الخروقات الواضحة فيها أو إنها تريد الاستباق بالرد على الرسائل التركية الجديدة التي أرسلتها لكل العالم من خلال تغيير اللهجة السياسية التي كانت تتبعها القيادة التركية ولاسيما مع دولة كبيرة كروسيا الداعم الأبرز لنظام “بشار الأسد” الحليف القديم والعدو الجديد.
وبما أن الاتهامات التركية غالبا ما تطال الأحزاب الكردية مثل”بي كي كي ” و”وحدات الحماية الكردية”, يُجمع العديد من النقاد السياسيين على أحقية تركيا بتوجيه أصابع الاتهام لها لا سيما أن الأكراد يتخوفون من التقارب الروسي التركي الجديد ظنا منهم أن صفقات معدة للمستقبل بين القيادتين الروسية التركية سوف تكون على حسابهم بعد أن تمكنت تلك الأحزاب من حرف بوصلة الدعم الروسي والأمريكي أيضا نحوها وأصبحت حليفا قويا وشريكا مهمّا لتلك القوى على أرض الواقع.
تبقى التحليلات شائكة وذات وجوه متعددة، ولكن الانفجارات الاحترافية لمنشأة تعتبر من كبرى المنشآت في العالم كمطار “أوتوتورك” في اسطنبول تدفعنا للتفكير والتساؤل: من هم اللاعبون الحقيقيون الذين يمتلكون هذه القدرة لإجراء اختراق أمني بهذا المستوى؟ وماهي مصلحتهم من ذلك؟ وهل ستبقى تركيا تدفع ثمن مواقفها السياسية التي تمسك بزمام أمور كثير من قضايا منطقتنا العالقة؟
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود