تصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، الذي حدث في الخامس عشر من يوليو لعام 2016.
ومن المؤكد وبدون شك أن تركيا ماقبل الانقلاب، هي ليست تركيا بعده، فقد شهد العام الذي تلا أحداث هذا الإنقلاب الكثير من الأحداث على الساحة التركية سواء على الصعيد الداخلي، أو على الصعيد الإقليمي وحتى الدولي.
ونستطيع القول بأن المثل العامي المعروف” الضربة اللي ما بتقتلك بتقويك”، انطبق تماما على الرئيس التركي “رجب طيب اردوغان”؛ حيث زاد الانقلاب من شعبيته وأثبت قدرته ومرونته في التعامل مع الأزمات والشدائد والمكائد المحاكة ضده سواء في الداخل، أو الخارج.
وقبيل حلول الذكرى الأولى للإنقلاب الفاشل، صدر مرسوم جديد يوم أمس الجمعة في إطار حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ يوم الإنقلاب، تم بموجبه تسريح أكثر من 7آلاف شرطي وجندي وموظف حكومي في البلاد.
وبحسب وكالة “الأناضول” الحكومية فقد تم تسريح 7563شخصا في إطار موجة تطهير جديدة، مضيفة أن السلطات أحالت أيضا 342عسكريا على التقاعد.
وبررت أنقرة حملات الاعتقال التي تمت عقب الانقلاب مباشرة، التي شملت حوالي 50 ألف شخصا، وإقالة أكثر من 100ألف من وظائفهم-بررتها بأنها ضرورية لمواجهة الخطر الذي تشكله حركة “غولن” التي اتهمتها الحكومة التركية بالوقوف وراء محاولة الإنقلاب، وطالبت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا بتسليم المدعو”فتح الله غولن”وهو الداعية التركي المعارض والمقيم في الولايات المتحدة.
وقد كان عدم استجابة واشنطن لمطالب أنقرة مبعثا لتوتر العلاقات بين البلدين، إذا عدنا بالأحداث خطفا للوراء، خلال السنة التي تلت الإنقلاب؛ نجد أن “أردوغان “نجح في الفوز بالاستفتاء الشعبي الذي أجرته البلاد يوم الأحد الموافق للعشرين من يناير 2017، الذي تضمن جملة من التعديلات الدستورية، ووصف كثير من المحللين الاستفتاء “بالتاريخي” لأنه وسع من صلاحيات الرئيس التركي، حيث سعى “أردوغان “من خلاله إلى تحويل النظام الحكومي البرلماني الذي كان سائدا لحينها، إلى نظام رئاسي تنفيذي، وقد بلغت نسبة التصويت “بنعم”وقتها 3، 51 بالمئة وهذا مثّل انتصارا كبيرا لأردوغان وحكومته على الصعيد الداخلي، وردا مباشراعلى الإنقلابين.
أما على الصعيد الإقليمي، وتحديدا الأزمة السورية فقد قادت تركيا عملية “درع الفرات” العسكرية الموجهة ضد تنظيم الدولة والفصائل الكردية المقاتلة شمالا، مدعومة بفصائل من الجيش الحر والتي بدأت في الرابع والعشرين من أغسطس العام الماضي، العملية حققت معظم أهدافها المعلنة ولربما غير المعلنة؛ فبعد السيطرة على “جرابلس ” تم ضمان إبعاد الأكراد شرقا إلى مابعد خط الراعي، من ثم تحرير مدينة” الباب “من تنظيم الدولة بالكامل، وأخيرا ممارسة الضغط من جهة الشرق على منطقة “عفرين “التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي “وهو من ألد أعداء تركيا عبر العقود الأخيرة، وحاليا تتوجه لحشد المزيد من قواتها العسكرية على الحدود مع سوريا تحضيرا واستعدادا لعملية جديدة محتملة ضد الجزب المذكور.
لن ننسى الصعيد الدولي أيضا، حيث استطاعت تركيا مواجهة الكثير من الضغوط التي مورست عليها خلال العام من قبل دول الإتحاد الاوربي والخلافات التي حدثت خاصة مع ألمانيا بما يخص التواجد الألماني العسكري في قاعدة “انجرليك” المتواجدة على الأراضي التركية إضافة إلى السجال مع هولندا. كل هذا بات يظهر حجم القوة التي اكتسبتها تركيا بعد درس الإنقلاب الفاشل.
وهكذا نرى بأن عاما على الإنقلاب زاد في رصيد “أردوغان” وحكومته بشكل غير مسبوق وأعطى الشعب التركي مزيدا من التلاحم للوقوف في وجه الأزمات والمؤمرات.
فهل ستستمر تركيا في الصمود أمام الضغوط المحيطة بها وتجتازها بنجاح؟ أم أن عاما ثانيا بعد الإنقلاب سيغير الموازين؟.
شاديا الراعي -المركز الصحفي السوري