يوم السبت 30 من أيلول/ سبتمبر، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال، من أجل تعزيز وجودها في القارة السمراء. وقد كلف بناء هذه القاعدة حوالي 50 مليون دولار، في حين ستتكفل بتدريب قرابة 10 آلاف جندي. ومن خلال تلك القاعدة، تسعىتركيا إلى إعطاء جهاز الشرطة الصومالي طابعًا مؤسساتيًا فضلًا عن إعادة هيكلته، وذلك بغية محاربة جماعة “الشباب” الإرهابية. كما تسعى الدولة التركية لمساعدة الحكومة في الصومال إلى إعادة السيطرة على العديد من المدن والمناطق.
وفي هذا الصدد، تستمد هذه القاعدة أهميتها الحقيقية انطلاقا من اقتراب الموعد المحدد للانسحاب الكامل للقوات الأفريقية متعددة الجنسيات من الصومال، وذلك في سنة 2020. ويقدر عدد جنود هذه القوات بنحو 22 ألف جندي. ومن خلال هذا المشروع في الصومال، تعتبر تركيا آخر دولة تقدم على بعث قاعدة عسكرية في القرن الأفريقي.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تدير عملياتها في المنطقة بصورة سرية من خلال قاعدتها العسكرية في محافظة “شبيلي السفلى”. ومن المتوقع أن تبني دولة الإمارات كذلك قاعدة عسكرية في منطقة صوماليلاند، التي أعلنت عن استقلالها دون أن تحظى باعتراف من قبل الأمم المتحدة.
وفي الأثناء، ساهم تدخل تركيا بشكل عميق في دولة الصومال في إحداث تغييرات جوهرية على مستوى البنية التحتية للبلاد المتهرئة بسبب الحرب، فضلا عن إجراء إصلاحات في مجال التعليم والصحة والتجارة. وفي هذا السياق، قدمت تركيا مساعدات إنسانية تقدر بملايين الدولارات لدولة الصومال، وخاصة أثناء المجاعة التي ضربت البلاد في سنة 2011 وأودت بحياة 250 ألف شخص.
وفي سنة 2011، أدى الرئيس الحالي لتركيا، رجب طيب أردوغان، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس الوزراء، زيارة للصومال. وقد كانت تلك الزيارة الأولى من نوعها لشخصية رفيعة المستوى من خارج أفريقيا منذ عقدين من الزمان. في الواقع، بادر أردوغان بإنشاء العديد من المدارس والمساجد والمستشفيات في الصومال، بالإضافة إلى أكبر مجمع طبي في البلاد. في الوقت ذاته، شيد أردوغان أكبر سفارة تركية في العالم في العاصمة مقديشو.
من ناحية أخرى، عززت تركيا من حجم استثماراتها في الصومال، من خلال بناء وإدارة ميناء مقديشو، بالإضافة إلى تشييد مطار دولي. فضلا عن ذلك، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في سنة 2015 إلى 72.3 مليون دولار. وفي الأثناء، باتت الصومال من أكثر الوجهات المربحة للخطوط الجوية التركية على مستوى العالم.
ومن المثير للاهتمام أن إنشاء هذه القاعدة في الصومال من قبل تركيا، على الرغم من بعض المشاكل الإقليمية والدولية التي تُواجهها أنقرة في الوقت الحالي، يعد بمثابة دليل على أن أفريقيا هدف مهم لها من أجل توسيع وجودها الإستراتيجي في العالم.
وفي هذا الصدد، وضعت أنقرة أفريقيا على رأس أولوياتها منذ سنة 2005، من خلال تعزيز تمركزها الدبلوماسي والتجاري والأمني في البلاد، فضلا عن زيادة حجم الاستثمارات والمساعدات، وتطوير التعليم. في واقع الأمر، ضاعفت تركيا بعثاتها الدبلوماسية في القارة السمراء منذ سنة 2009 من 12 إلى 39 بعثة دبلوماسية. وفي سنة 2011، حلّقت طائرات الخطوط الجوية التركية في سماء 14 مدينة أفريقية. وبحلول سنة 2017، تعتزم الخطوط الجوية التركية ربط 52 طريقا بين إسطنبول وأفريقيا.
من جهته، أفاد البروفيسور في معهد تشاتام هاوس والدبلوماسي المعروف، ديفيد شين بأن “أنقرة تعمل على تعميق تمركزها في أفريقيا، نظرا للأهمية الاقتصادية المتزايدة للمنطقة. بالإضافة إلى ذلك، ترغب أنقرة في توسيع رقعة نفوذها بعيدا عن الشرق الأوسط، وخاصة في جنوب الصحراء الكبرى، التي تتسم بكثافة سكانية عالية من المسلمين”.
عموما، كان للتقارب مع تركيا، تكلفة بالنسبة لبعض الحكومات الأفريقية. فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو سنة 2016، طلبت تركيا من الحكومات الأفريقية إغلاق المدارس التابعة لعبد الله غولن، المتهم في محاولة الانقلاب. وبالطبع، استجابت الحكومة الصومالية التي تعتمد على المساعدات التركية، لهذه المطالب، وسارعت بإغلاق العديد من المدارس.
ترك برس