مع رحل رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، عن دفة القيادة التركية، ووسط الأزمات السياسية والدبلوماسية والأمنية التي تحيط بتركيا، يبدو أن سياسة “الخطوط الحمر” التي انتهجتها تركيا على مدى 6 سنوات قد أفل نجمها، وبدأت بالارتداد نحو سياسة “صفر مشاكل”، التي جعلت أنقرة تتماهى مع الأجواء الإقليمية المحيطة.
ففي الوقت الذي أعادت فيه أنقرة تطبيع العلاقات مع تل أبيب، فجّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مفاجأة من العيار الثقيل، بتقدمه باعتذار رسمي، الاثنين 27 يونيو/حزيران، إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عن إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية لاختراقها المجال الجوي التركي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية، في بيان له، أن الرئيس أردوغان بعث برسالة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أعرب فيه عن حزنه العميق حيال حادثة إسقاط المقاتلة الروسية، وقال له: “أتقاسم أوجاع ذوي الطيار الذي قُتل في الحادثة، وأتقدّم بالتعازي لهم، وأقول لهم: لا تؤاخذونا”.
وعلى مدى 7 أشهر مرت على حادثة إسقاط الطائرة الروسية، لطالما شدد أردوغان في أكثر من مناسبة على أنه لن يعتذر لموسكو.
وفي مؤتمر صحفي له في عقب الحادثة أكد أردوغان أن “من انتهك أجواء بلادنا عليه الاعتذار وليس نحن”.
وبعد إسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية التركية تدهورت العلاقات بين الجانبين، وفرضت روسيا قيوداً تجارية على أنقرة، وقال بوتين إن القيود لن تلغى إلى أن يعتذر أردوغان عن الحادث.
-صفر مشاكل
وأرجع مراقبون سياسة الارتداد التركية نحو سياسة “صفر مشاكل”، إلى أن حكومة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ترغب في فتح صفحة جديدة مع دول الجوار كافة، بما فيها سوريا ومصر، وهو ما أكده المحلل السياسي التركي، محمد زاهد غول، المقرب من الحكومة التركية لـ “الخليج أونلاين”.
وأضاف غول: “مع وصول بن علي يلدريم لرئاسة الوزراء بدأ بانتهاج سياسة أكثر واقعية مع ملفات المنطقة، لا سيما سوريا ومصر وإسرائيل”.
وتابع: “تم إقالة المسؤولين عن الملف السوري في الخارجية والمخابرات التركية؛ لفشلهم في إدارة الملف خلال الفترة الماضية، وإن طوراً جديداً من التعامل مع هذا الملف سوف يبدأ”.
وأوضح زاهد غول “أن التقارب مع دول الجوار كسوريا ومصر لا يعني التصالح مع نظام الأسد والسيسي، ولكن النظر إليهما بطريقة أكثر واقعية”.
وحول مصير الشروط التي تتمسك فيها أنقرة لإنهاء الأزمة السورية، وأبرزها مصير الأسد، لفت زاهد غول إلى أن “هذه الشروط بما فيها مصير الأسد، سوف يتم بحثها مع الجانب الروسي خلال زيارة وزير الخارجية التركي إلى مدينة سوتشي الروسية للقاء نظيره، سيرغي لافروف، للوصول إلى نقطة تلاقٍ مشتركة بين الطرفين”.
وكان رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم أكد في حديث صحفي يوم السادس من يونيو/حزيران “أن تركيا يجب ألا تكون على عداء مع الدول المطلة على البحر الأسود والمتوسط، خاصة روسيا وسوريا وإسرائيل ومصر”.
ويرى مراقبون أن أردوغان، وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية وما يحدث في علاقته مع الاتحاد الأوروبي، أدرك أنه لن يخسر شيئاً إذا وضع يده على المصالح الحقيقية لبلاده، وقام بتحسين علاقاتها بجيرانها، لا سيما موسكو، علماً أن الهوة السياسية كبيرة بين البلدين، فهناك العديد من عوامل الاختلاف في الملف السوري، وتحركات حلف الناتو في البحر الأسود تجاه الحدود البحرية الروسية.
– “مصالحة” الأسد
ولأن سوريا ما زالت هي الخاصرة الأبرز التي تقض مضجع تركيا، خاصة بعد سيطرة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردية، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وسط تغاض دولي عن مصالحها الأمنية، فقد قررت أنقرة أن تنتهج نهجاً جديداً على المستوى الأمني.
وذكرت صحيفة “الحياة” اللندنية في تقرير لها أن هناك تقارباً محدوداً مع مخابرات نظام الأسد، خاصة فيما يتعلق بالمسائل الكردية، وعلى الرغم من محافظة تركيا على موقفها المعادي لنظام الأسد على الأقل “علانية”.
سنان أولجن، الباحث في مركز “كارينجي” الأمريكي، يرى أن “تركيا تريد أن تتكيف مع الحقائق على الأرض، حيث نجح الأسد في البقاء بالسلطة على الرغم من كم الجهود الحثيثة التي بذلت من أجل الإطاحة به”.
وأضاف في مقال له: “تحول محور اهتمام حلفاء تركيا الغربيين نحو داعش، والقضاء عليها بدل الاهتمام بتغيير النظام السوري، وهكذا وجدت تركيا نفسها في عزلة متزايدة في طريقها لتحقيق هذا الهدف، الذي أثبت في النهاية عدم جدواه؛ في ظل الدعم اللامحدود للنظام السوري من حلفائه الروس والإيرانيين”.
وأوضح أولجن أن “إدارة القضية الكردية في سوريا أضحت أكثر أهمية بالنسبة للحكومة التركية، فالأكراد السوريون، وممثلوهم من حزب الاتحاد الديمقراطي نالوا الاعتراف الدولي، وحصلوا على دعم كبير مقابل قتالهم ضد داعش”.
وأشار أولجن إلى أنه “لعمق العلاقة بين الأكراد الأتراك والسوريين تحولت أولوية الحكومة التركية نحو احتواء الأحزاب الكردية، وهو ما تشترك فيه مع النظام السوري، ومن هنا كان التحول في حسابات أنقرة في الشأن السوري”.
في المقابل استبعد أمبرين زمان، الصحفي التركي، والباحث الزميل في مركز ويلسون للسياسة العامة، أن يكون هناك تحول جذري للعلاقة بين نظام الأسد وأنقرة، وإن كان السبب الأكراد أو تنظيم “داعش”.
وأضاف: “من السابق لأوانه أن نفترض أن تركيا مستعدة لابتلاع كبريائها ومصافحة الأسد، وبدلاً من ذلك فإنها تسعى للمحافظة على رهاناتها هناك وتأمينها كذلك”.
وأوضح أولجن أن “الصراع السوري قد يستمر لسنوات أخرى، وروسيا والولايات المتحدة ستستمران في لعبتهما السياسية هناك، أما تركيا فمن المرجح أن تستمر في دعم معارضي الأسد للوقوف بوجه وحدات حماية الشعب الكردية”.
ويأمل نشطاء ومعارضون سوريون أن ينعكس قبول روسيا للاعتذار التركي إيجاباً على المشهد السوري، خصوصاً لجهة جبهة حلب والحدود الشمالية عموماً مع تركيا.
ويعتقد مراقبون أن الاعتذار التركي لروسيا، واتفاق التطبيع التركي-الإسرائيلي، فرصة لعودة الأطراف السورية المعنية إلى طاولة المفاوضات في جنيف دون عراقيل روسية أو من نظام الأسد.
الخليج أون لاين