تتجه سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين السوريين التي انتهجتها الحكومة التركية طوال خمس سنوات إلى نهايتها. فقد أقفلت أنقرة منذ يونيو/ حزيران الماضي جميع المعابر الحدودية المشتركة في وجه الهاربين من جحيم الحرب، باستثناء بعض الحالات الإنسانية. لم تكتف عند هذا الحدّ بل أصدرت أخيراً قراراً بفرض تأشيرة دخول على السوريين الآتين من بلد ثالث.
القرار الذي يبدأ تنفيذه اليوم، بحسب ما هو مقرر، لم تصدر حتى الآن أي تعليمات تنفيذية بخصوصه. وهو قرار يجد كثيرون أنّه يزيد من معاناة العائلات السورية المشتتة بين تركيا ودول أخرى. بينما يعتبر آخرون أنّها بداية لتطبيق الاتفاق الأوروبي- التركي الذي من شأنه أن يحسن أحوال السوريين المتواجدين على الأراضي التركية، والذين تشير التقديرات إلى أن عددهم وصل إلى 1.7 مليون سوري.
من جهته، يقول الناطق باسم الخارجية التركية، تانجو بيلغيج، إنّه قرار ضروري لوقف تدفق الهجرة غير المشروعة. وفي هذا إشارة إلى الاتفاق الأوروبي- التركي الأخير الذي وضع بند وقف تدفق اللاجئين إلى أراضي الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي التركية أحد أهم الشروط لمنح تركيا عدداً من المكاسب. ومن ذلك إزالة تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك الراغبين بالسفر إلى منطقة “شينغن”، وفتح فصول جديدة فيما يخص مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً تقديم مساعدات مالية للاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها بقيمة 3 مليارات يورو.
بعد القرار التركي، يبدو كأنّ السوريين باتوا محاصرين في كلّ مكان. يغلق كلّ من الأردن ومصر الأبواب في وجه السوريين الراغبين بالمجيء، بينما تضع باقي الدول شروطاً تعجيزية في وجوه من يسعون للحصول على تأشيراتها. أما في سورية فالأوضاع غامضة لا سيما أنّ السفارة التركية مغلقة في دمشق، كما أنّ الذهاب إلى لبنان للحصول على تأشيرة دخول إلى تركيا يعيقه الكثير من الإجراءات التي اتخذتها بيروت في سبيل منع دخول السوريين.
بحسب القانون التركي هنالك 9 شروط تمنع أي مواطن أجنبي من الحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي التركية. من بينها أن لا يملك تبريرات كافية أو محقّة لدخول البلاد، أو عبوره منها، أو بقائه فيها. بالتالي فإنّ حظوظ السوريين في زيارة تركيا ستعتمد بشكل كامل على توجهات الحكومة التركية ووجهة نظر العاملين في السفارات والقنصليات.
على صعيد اللاجئين أنفسهم، تقول رزان شنن (40 عاماً) لـ”العربي الجديد”: “لم أر إخوتي وأبي وأمي الذين يقيمون في القاهرة، منذ جئت مع زوجي إلى تركيا قبل أكثر من عامين، هرباً من الاشتباكات في حلب”. تضيف: “بينما يبدو حصول السوريين على تأشيرة دخول إلى مصر أمراً مستحيلاً بالنسبة لي، فقد كان أملي الوحيد بأن يتمكنوا من زيارتي هنا، فهم يمتلكون إقامة مصرية. لكن بعد هذا القرار يبدو أنّ الحلم بات مستحيلاً هو الآخر”.
تتابع: “لا أمتلك إقامة تركية، بل بطاقة التعريف (كيمليك)، لأنّ دخلنا لا يسمح لنا بالتقدم للحصول على إقامة. وبالتالي حتى لو حصلت على تأشيرة مصرية لن أستطيع مغادرة تركيا قبل أن أطلب إذن مغادرة من إدارة الأمن التركية، وحتى في حال الموافقة عليها، فإن ذلك لا يضمن لي بعد هذا القرار إمكانية العودة”.
وبعيداً عن إقامة العمل التي يحصل عليها المستثمرون السوريون في تركيا، ومعهم عمّالهم، فإنّ حصول السوري على إقامة سياحية لمدة عام بات هو الآخر صعباً. فمن واجب كلّ فرد الحصول على تأمين صحي بقيمة 250 دولاراً أميركياً سنوياً، وعقد إيجار منزل لمدة عام كامل مصدّق من البلدية ومن دائرة الضرائب. كذلك ألاّ يتجاوز تاريخ ختم دخوله إلى تركيا أكثر من 3 أشهر. كما يجب على السوري السفر والعودة عند كل تجديد.
وبعدما كان السوريون يذهبون إلى قبرص التركية لتسجيل ختم الدخول والعودة إلى تركيا، بدأت حكومة قبرص التركية بمنع السوريين من الدخول إلى أراضيها بل واحتجازهم في مطارها ومن ثم إعادتهم إلى تركيا قسراً من دون الحصول على ختم. وهو ما تؤكده لـ”العربي الجديد” منى الأحمد (25 عاماً). تقول: “ذهبت قبل شهرين إلى قبرص التركية، في سبيل الحصول على ختم خروج ودخول إلى الأراضي التركية لتجديد الإقامة، وبالرغم من أني استطعت تدبر باقي الشروط المتعلقة بالإقامة كالحصول على كشف حساب بقيمة 6 آلاف دولار، فوجئت بتعامل الحكومة القبرصية التركية معنا، إذ احتجزنا في المطار، وصودرت جوازات سفرنا، ثم رُحّلنا إلى تركيا وكأننا مجرمون”.
تضيف منى: “اضطررت في نهاية المطاف إلى التقدم للحصول على بطاقة التعريف التركية، فلم أستطع العثور على أي بلد قريب وآمن يرضى بدخولي أراضيه حتى ولو لساعات. أما بعد هذا القرار فإني أخشى أن تصبح زيارة أهلي لي من الأردن مستحيلة. كما لا أستطيع زيارتهم بدوري هناك”.
يذكر أنّ صاحب بطاقة التعريف (كيميلك) يتمتع بميزات تقدمها الحكومة التركية له كحق التعليم والرعاية الصحية مجاناً وحسم 80 في المائة من قيمة الدواء، بالإضافة إلى باقي ميزات الإقامة، من دون أن يضطر إلى دفع أي مبلغ مالي. وهو ما يشجع السوريين على امتلاكها، خصوصاً أنّ العديد من العائلات قد تشترك في منزل واحد ولا قدرة لديها على تحمل كلفة التأمين الصحي لكل فرد من أفراد العائلة. كما لا تملك مبلغ الستة آلاف دولار. في المقابل، تجعل هذه البطاقة من مغادرة وعودة السوريين إلى تركيا أمراً شبه مستحيل الآن، بعد القرار الحكومي الذي يمنع حاملي الـ”كيمليك” من تعديل أحوالهم والحصول على الإقامة السياحية بعد اليوم.
بدوره، يعمل سالار محمد (30 عاماً) في ورشة خياطة في إسطنبول. يقول: “جئت من حلب قبل 3 أعوام برفقة والديّ وعائلتي. راتبي بالكاد يكفيني. لدي أخت لاجئة في السويد، لكن لا أظن أنّ الحكومة التركية ستمنع عنها تأشيرة الدخول في حال قررت زيارتنا، خصوصاً أنّ السوري الذي يحمل إقامة أوروبية لن يفضل البقاء في تركيا”. يضيف: “كنت أخطط وأخي المقيم في إقليم كردستان العراق للعبور نحو أوروبا. الآن لن يسمح له بدخول الأراضي التركية من دون تأشيرة”.
العربي الجديد