“تركيا الجديدة” تنطلق اليوم بقسَم “سلطاني” لأردوغان
إسطنبول ــ باسم دباغ
يؤدي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان القسم اليوم الخميس، بصفته أول رئيس للجمهورية منتخب من الشعب، ليبدأ العمل على ما أطلق عليه في إطار دعايته الانتخابية “تركيا الجديدة”، ولينتقل، بحسب الكثير من التسريبات، إلى قصر السلطان العثماني الأخير، وحد الدين، الملقب بمحمد الخامس، الواقع في حي أوسكودار، في القسم الآسيوي في إسطنبول، والذي بدئ بترميمه منذ شهرين.
وكان رئيس البرلمان التركي، جميل جيجك، قد دعا إلى جلسة استثنائية للبرلمان، ليؤدي الرئيس المنتخب القسم قبل تسلمه للمنصب. وبعد ذلك، سيقوم جيجك بتسليم أردوغان التفويض من المحكمة الدستورية العليا بتسلم منصب الرئاسة. وكان التفويض قد وصل إلى مكتب المتحدث باسم البرلمان التركي، يوم الإعلان الرسمي عن النتائج في 15 من أغسطس/ آب الماضي، والتي فاز بها أردوغان من الجولة الأولى، بما يقارب الـ52 في المئة من الأصوات.
وفي السياق، بدأ، منذ يوم أمس الأربعاء، توافد زعماء وممثلي الدول، والمنظمات، والهيئات الدولية إلى أنقرة، لحضور مراسم تأدية رجب طيب أردوغان، القسم كرئيس جديد للجمهورية التركية، حيث يستقبلهم المسؤولون الأتراك في قاعة الشرف بمطار أسنبوغا الدولي في أنقرة.
ومن المتوقع أن يحضر المراسم أكثر من 90 من الزعماء الدوليين والسياسيين، حيث سيتم تمثيل 15 بلداً على الأقل، على أعلى مستوى في هذا الحدث. رغم ذلك، فإن الولايات المتحدة الأميركية سترسل القائم بالأعمال في سفارة أنقرة، ما اعتبر تمثيلاً منخفض المستوى مقارنة مع باقي الدول.
وبحسب مصادر في مكتب رئاسة الوزراء، فقد أثار حفل اليوم اهتماماً دولياً، إذ إن خمسة عشر بلداً ستكون ممثلة على مستوى الرؤساء، و6 دول على مستوى رؤساء البرلمان، و12 دولة على مستوى رؤساء الوزراء، و3 دول على مستوى نواب رئيس، و7 دول على مستوى نواب رئيس الوزراء، ونحو 40 بلداً على مستوى وزراء، فضلاً عن ممثلين من 9 منظمات دولية.
”
ورغم حضور عدد من زعماء دول العالم، فإن رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، لن يحضر مراسم تنصيب رئاسة الجمهورية، احتجاجاً على عدم استقالة أردوغان من منصب رئاسة الوزراء، يوم إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسة، ما اعتبره خرقاً للقانون التركي، تاركاً الحرية لباقي النواب عن الشعب الجمهوري، ليقرروا كل على حدة، إن كانوا سيحضرون أم لا.
ويبدو أن رئيس حزب الحركة القومية المعارض، دولت بهجلي، قد تجاوز مؤقتاً دعوته للمحكمة الدستورية العليا، إلى التحرك ضد أردوغان، الذي لايزال يحتفظ بمنصب رئاسة الوزراء، إذ قرر حضور مراسم التنصيب “احتراماً لتقاليد الجمهورية”.
وبعد التنصيب، سيقوم أردوغان، باتباع التقاليد التي تقتضي زيارة قبر مؤسس الجمهورية التركية في أنقرة، مصطفى كمال أتاتورك، ثم يتوجه إلى قصر شنكايا الرئاسي، حيث سيتلقى هو وزوجته، أمينة أردوغان، التهاني من الرئيس السابق، عبد الله غول وزوجه خير النساء غول على بوابة القصر. ويطمح أردوغان، بعد تسلمه للرئاسة، إلى “تركيا جديدة” تقطع العهد مع نظام الوصاية العسكري القديم. ذلك النظام الذي تلقى الكثير من الضربات في عهد رئاسته للوزراء.
السياسة الخارجية
لا يريد الرئيس الجديد أن يكون منصب الرئاسة منصباً فخرياً، بل مركزاً محورياً يشرف على عمل الحكومة، ويدير دفة السياسة الخارجية. فبعد تسلمه مهامه، سيزور أردوغان، نيقوسيا، عاصمة قبرص التركية. وبعد أقل من ثلاثة أيام على التنصيب، سيغادر إلى باكو، العاصمة الأذرية، للقاء الرئيس إلهام علييف، سيراً على التقاليد الرئاسية التركية.
وتحتل قبرص التركية أهمية بالغة في السياسة الخارجية التركية، ليس فقط لأنها تشكل قضية قومية بالنسبة إلى الأتراك، بل أيضاً لأنها تعتبر واحدة من أكبر القضايا العالقة بين تركيا وحلفائها الغربيين، وعائقاً رئيسياً في وجه خطوات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، التي ما زالت تسير ببطء شديد.
أما أذربيجان، وبعيداً عن كونها الحليف القومي للجمهورية التركية، كون الأذريين ينتمون إلى مجموعة الشعوب التركية، فهي لا تزال تخوض حرباً شرسة ضد أرمينيا، المدعومة من إيران، حول إقليم “ناغورنو كاراباخ” المتنازع عليه، وقد تجددت الاشتباكات بين الجيشين، في وقت سابق من الشهر الجاري، فأظهرت فيها تركيا دعماً واضحاً للحكومة الأذرية، واستقبلت جرحى الجيش الأذري، على أراضيها لعلاجهم.
دور رئاسة الجمهورية، في ما يخص السياسة الخارجية، سيبرز خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي، المقرر عقده في مقاطعة ويلز، في المملكة المتحدة، في الرابع من سبتمبر/أيلول المقبل.
ومن المتوقع أن يعقد أردوغان العديد من اللقاءات مع قيادات دول الأطلسي، تتناول ازدياد نفوذ تنظيم “القاعدة” في سورية والعراق، بما يشكله تنظيم “الدولة الإسلامية”، (داعش)، من تهديد كبير لدول المنطقة، واحتجازه 49 مواطناً تركياً إثر اجتياحه القنصلية التركية في الموصل منذ يونيو/حزيران الماضي.
كذلك سيشارك أردوغان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في نيويورك بين 21 و26 سبتمبر/أيلول المقبل.
وبحسب مراقبين، فإن الرئيس الجديد سيقود سياسة خارجية متعددة الأبعاد، ففي الوقت الذي ستدافع فيه تركيا عن قضاياها القومية، كالموقف من كارثة الأرمن عام 1915، والقضية القبرصية، ستستمر بالعمل على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، كخيار استراتيجي، كما ستدير مصالحها في المنطقة، الأمر الذي يشير إلى عدم وجود تغيير في السياسة الخارجية التركية.
حريات للعلويين
أما في الشؤون الداخلية، فقد بدا واضحاً من خطاب كل من أردوغان وزعيم العدالة والتنمية الجديد، أحمد داوود أوغلو، أن في “تركيا الجديدة” لن يكون هناك أي إقصاء لأي مكون اجتماعي سواء على أساس مذهبي أو إثني.
وِشدد أردوغان على أن عملية التسوية مع حزب العمال الكردستاني ستكون إحدى أهم أولوياته، معبراً عن التزامه التام بها، حتى التوصل إلى حل نهائي للقضية الكردية. يضاف إلى ذلك، القوانين الجديدة التي ستمنح الأقلية العلوية في تركيا، حريات أكبر في التعبير عن معتقدهم كالاعتراف بـ”بيوت الجمع”، وهي الأماكن التي يقيم فيها العلويون البكداشيون صلواتهم، كدور عبادة بشكل رسمي.
”
العسكر و”الكيان الموازي”
دور العسكر في الحياة السياسية سينحسر في “تركيا الجديدة” التي يريدها أردوغان، ليعود إلى كونه مؤسسة تعمل وفق أوامر السياسيين. وفي موازاة ذلك، ستستمر المعركة مع ما يسميه أردوغان “الكيان الموازي”، في إشارة إلى حركة “الخدمة” بقيادة فتح الله غولن، إذ لن يسمح بتفكيك سلطة الدولة مرة أخرى، وسيتم “تنظيف الدولة” من جميع البيروقراطيين الذين ينتمون للحركة، بما في ذلك، سلك القضاء متمثلا بالمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين والمحكمة الدستورية العليا.
وكان أردوغان قد أعلن بشكل رسمي الحرب على رئيس المحكمة الدستورية العليا، هاشم كلج واتهمه بعدم الحياد والميل إلى “الكيان الموازي”. والصراع بين الحكومة والمحكمة الدستورية ليس جديداً، فقد أعلن كل من أردوغان وداوود أوغلو ووزير العدل، بكير بوزداغ، عدم نيتهم حضور حفل افتتاح السنة القضائية الجديدة في الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، بسبب تجاهل المحكمة الخلاف الذي حصل بين أردوغان ورئيس نقابات المحامين، متين فايزأوغلو.
البلديات والاقتصاد
وفي ما يخص البلديات وإعمار المدن، ستلتزم الحكومة الجديدة بتنفيذ البرنامج الانتخابي الذي كان قد أعده الحزب أثناء الانتخابات البلدية السابقة في 30 من مارس/آذار الماضي. وأكد أردوغان الإشراف شخصياً على عمل الحكومة من أصغر المشاريع حتى أكبرها.
أما عن الملف الاقتصادي، وبحسب التسريبات، فإن إدارة الملف الاقتصادي المتمثلة بوزير المالية الحالي، محمد شيمشك، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، علي باباجان ومحافظ المصرف المركزي، سيستمرون في إدارة الملف الاقتصادي، وسط ترجيحات بحدوث تغيرات مهمة.
الدستور
تغيير الدستور التركي، الذي تمت كتابته في عهد الوصاية العسكرية، يأتي في مقدمة أجندة الرئاسة التركية الجديدة. هذا المشروع يبدو متعسراً بسبب الخلافات بين الأحزاب التركية على بعض المواد، ما جعل إتمامه أمراً مستحيلاً. لكن الرئاسة ستسعى من خلال الحكومة، إلى العمل على الانتخابات العامة في العام المقبل، لاستغلال الانتصار الساحق في الانتخابات الرئاسية وتحويله إلى انتصار نيابي، يضمن لها أغلبية برلمانية عالية، تتيح تمرير الدستور، من دون الحاجة إلى المعارضة أو إلى التحالف معها. وفي حال فشل الأمر، تستمر إدارة “تركيا الجديدة” وفق النظام الرئاسي مستخدمة سياسة الأمر الواقع.
“العربي الجديد”