تباين تفجير أنقرة الأخير عن التفجيرات التي تكررت في أنقرة مؤخرًا، بحدوثه في قلب مركز القرار السياسي والحزام الأمني لتركيا، وهو ما أظهر للعيان بوجود حالة ضعف فعلية في الجبهة الداخلية لتركيا، تستدعي التحصين الشديد لبدء أي عملية تدخل خارجي ممكن لتركيا أن تُجريها.
ودفع الانفجار الكثير من الباحثين والمواطنين إلى دعوة الحكومة لتأمين الجبهة الداخلية بشكل جاد وقوي، لمنع تكرار عمليات التفجير التي تكررت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
وبهذا الصدد، عبر الكاتب السياسي “حقي أرسلان”، في مقاله التحليلي “الجبهة الداخلية غير الآمنة لا تُعطي الفرصة للتحرك الخارجي”، المنشور في صحيفة “تركيا”، 21 شباط/ فبراير 2016، عن حالة الاستغراب الشديدة التي أصابته عقب الإعلان عن تفجير أنقرة الأخير، متسائلًا هل إن استهداف قلب روسيا أو إيران أو الولايات الأمريكية المُتحدة أسهل أم قلب تركيا؟
وفي معرض رده على التساؤل الذي يطرحه، أوضح أرسلان أن قلب تركيا بلا شك هو الجواب الصائب، متسائلًا لماذا؟ ما هي الإجراءات الأمنية الناقصة في تركيا؟، ومؤكدًا أن أي عنصر خارجي يأتي من دولة ما لتنفيذ تفجير إرهابي في دولة أخرى، لا بد أن يكون له مُوجه في الجبهة الداخلي، ومن غير هذا المُوجه لا يمكن له الإقدام على تنفيذ أي تحرك، وللأسف، أصبح الشك يساور الكثير من المواطنين الأتراك الذين باتوا يدعون الحكومة التركية إلى إعادة تنظيم صفوفها وتشديد الإجراءات الأمنية المتبعة في إحباط مثل هذه العمليات الإرهابية.
واستند أرسلان في ادعائه عن احتمالية وجود عناصر مضادة للمصلحة العامة لتركيا داخل مؤسسات الدولة، إلى إعلان الحكومة التركية عام 2013 وجود خلايا “الكيان الموازي” داخل مؤسسات الدولة، منوّهًا إلى وجود الكيان موازي يوحي بوجود بعض آخر من الكيانات الموازية الأخرى التي تعمل لحساب جهات أجنبية.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي “مليح ألتين أوك” إن تطهير الدولة من أي عنصر تابع للكيان الموازي أصبح أمر فرض على الدولة، ويجب إدخال إجراءات جديدة لمحاربة العناصر التي تثبت تابعيتها لأطراف أجنبية، مبينًا أن تأمين الجبهة الداخلية يبدأ من تأمين الحدود، فقد أصبح الأمر عظيمًا، ويجب على تركيا تغيير سياسة “الباب المفتوح” المتبعة في التعامل مع اللاجئين السوريين القادمين من سورية، إلى سياسة “التدقيق والإسكان المحصور” بمعنى استقبال اللاجئين السوريين ووضعهم في مخيمات مغلقة، لتفادي أي عملية اختراق من قبل العناصر الإرهابية المضادة لتركيا، والتي تستغل سياسة الباب المفتوح لاختراق تركيا وإفسادها.
وأكد المحلل السياسي أنه لا يطرح سياسة التدقيق والإسكان المحصور من أجل تشديد الخناق على اللاجئين السوريين القادمين إلى تركيا، ولكن من أجل تأمين الجبهة الداخلية وبالتالي تمكن تركيا من التحرك خارجيًا، مستدلا بذلك على الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها العناصر الفاعلة في سورية، مثل الولايات الأمريكية المُتحدة وروسيا وإيران وغيرهما، لتأمين جبهاتها الداخلية، وبالتالي تمكنها من التحرك الحر على الصعيد الخارجي.
وألمح ألتين أوك، في مقاله “تأمين الجبهة الداخلية”، المنشور في صحيفة “صباح”، 20 فبراير 2016، إلى أنه لا يمكن لتركيا إحداث أي تحرك خارجي إلا من خلال تأمين جبهتها الداخلية بشكل جيد، موضحًا أن التدخل الخارجي الحر يبدأ بعد إنهاء عملية تأمين الجبهة الداخلية بشكل كامل.
وفي سياق متصل، أشار الخبير في قضايا النزاعات العسكرية “حسين باسلي” إلى أن تركيا تأخرت بعض الشيء في تشديد الطوق الأمني على حدودها ومؤسساتها الداخلية، منوّهًا إلى ضرورة إعادة تمرير سياسة “الباب المفتوح” من طاولة النقاش الأمني والعسكري، للتوصل إلى سياسة بديلة تضمن استقبال اللاجئين السوريين، وتكفل تجنيب تركيا أي عمليات تفجير ممكن تنفيذها من قبل عناصر تابعة لداعش أو حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابيين.
وفي مقاله “كل جدار مفتوح يشكل باب مفتوح للإرهابيين”، المنشور عبر صحيفة “أقشام”، 21 فبراير 2016، أفاد باسلي أن تركيا تسعى لإحراز أهداف استراتيجية إقليمية في المنطقة، وللنجاح في ذلك، لا بد من رفع مستوى الإجراءات الأمنية لتأمين نفسها داخليًا وصد الخطط التي تسعى لإشغالها بالجبهة الداخلية، وبالتالي رَدها عن التحرك الخارجي المضاد لأهدافهم “التقسيمية” في المنطقة.
ترك برس