” إن خليت خربت”، و” موكل أصابعك متل بعض”، أمثال شعبية سورية وجدت واقعا حيا تقال به في ظل حرب قاسية يعيشها السوريون بعد أن اسودت الدنيا في وجوههم، وذاقوا كل ألوان العذاب من قصف وتهجير وحرمان من أبسط مقومات الحياة.
وجد “محمد” ذو “32” عاما نفسه بلا مأوى، بلا وطن، بلاعمل بعد أن خسر بيته في قريته بريف حلب، وخسر أملاكه ومصدر رزقه، فلم يكن أمامه خيار سوى ترك البلاد واللجوء إلى تركيا للبحث عن عمل يؤمن لعائلته لقمة عيشهم.
قصد محمد تركيا وحده تاركا عائلته في حلب، إلا أنه وبسبب اشتداد المعارك والقصف في قريته قرروا تركها واللحاق به، وهنا ابتدأت قصة محمد مع أهل المروءة والكرم بعد أن عاش معاناة لاتتحملها جبال، يحدثنا عنها وبعينيه بريق أمل:” وجدت منزلا مؤلفا من 4 غرف في مدينة” اللقوا” في ولاية “قونيا” بتركيا، واتفقت مع المختار في المدينة الموكل بإيجار البيت على مبلغ “400” ليرة تركية”.
ويضيف محمد:” بعد مرور ثلاثة أشهر على إقامتي في البيت، بدأ سقف البيت يسرب مياه المطر، فقصدت المختار عله يتولى مصاريف إصلاحه، أو يخصمها من إيجار البيت، إلا أنه رفض بشدة، وقال لس جملة مازالت تحز في نفسي حتى اللحظة” إذا موعاجبك فضي البيت في كتير سوريين بيستأجروه”، فعدت خائبا أفكر كيف سأتدبر تكاليف ذلك، شعرت وقتها أن أبواب الفرج أغلقت في وجهي، وجدت نفسي تائها في بلد غريب، ولا أحد يرحم”.
ويكمل محمد:” وبينما كنت جالسا أفكر بحل، وإذ بجاري يصرخ لي ويسألني ما بي، وبعد أن أخبرته، قال لي لم لا تتكلم مع صاحب البيت عله يقدر وضعك ويساعدك، وأعطاني رقم هاتفه، وهنا بدأت بوادر الأمل والفرج تقترب مني”.
فوجئ محمد بعد أن تحدث مع صاحب البيت أن عقد الإيجار الأصلي يتضمن “200” ليرة بدلا من “400”، وأن المختار كان يستغله بعقد وهمي، إلا أنه وكما يقال “رب ضارة نافعة”، فتسريب السقف كان سببا للقائه صاحب البيت “ميمات تاش”، الذي عبر بدوره عن تعاطفه مع السوريين، وحبه لهم، ومنذ تلك اللحظة قرر أن يعطيه البيت مجانا دون مقابل، حتى تنتهي الحرب في سوريا ويعود محمد إلى بلده.
ولم ينته فيض كرمه عند هذا الحد، بل أمن له عملا في شركة يملكها، دون أي مجهود أو تعب، وكل أسبوع يعطيه أجره البالغ “200” ليرة، بالإضافة لأجور النقل اليومية، ووجبات الطعام، عدا عن لوازم البيت والمواد الغذائية الأساسية التي يقوم بإحضارها كل فترة.
يقول محمد:” معظم السوريين وبالأخص في الداخل يعتقدون أن الشعب التركي يستغل اللاجئين الفارين من الموت، ويتعاملون معهم بقسوة وظلم، إلا أنني رغبت بتغيير تلك النظرة الخاطئة من خلال تجربتي الشخصية، فأهل الخير مازالوا موجودين، هناك أشخاص سيئون قد يفسدون سمعة مدينة، وبالمقابل يوجد أشخاص ملأت قلوبهم الطيبة”.
أراد “محمد” أن يرد الجميل الذي قدمه له السيد “ميمات”، ويشكره على مافعل معه، علها ظاهرة إيجابية وبادرة أمل، نظرا للعلاقات الطيبة التي تجمع بين الشعبين السوري والتركي، والتي ازدادت خلال سنوات الحرب في سوريا، فالنخوة والمروءة مازالتا موجودتين في قلوب الطيبين.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد