لم يسبق أن تحولت حملة انتخابات الرئاسة الأميركية «شأنا روسياً» إلى هذه الدرجة التي انعكست في تغطيات وسائل الإعلام، وتصريحات المسؤولين الروس، ناهيك عن الاتهامات الأميركية المباشرة بالتدخل عبر قرصنة مراسلات الحملة الديموقراطية. ومن تابع الحملات التي شنتها وسائل اعلام روسية على هيلاري كلينتون يكاد يعتقد بأنها نافست بوتين على مقعده في الكرملين، إذ لم تترك هذه الوسائل «فضيحة» أو خبراً ضاراً لحملتها، او تشكيكاً بقدراتها الا وأبرزته مضخماً وأفردت له مساحات واسعة من تغطياتها. في المقابل بدا أن دونالد ترامب كان المرشح المفضل للإعلام الروسي الذي كان تركيزه، خصوصاً في برامج «توك شو» التي تجمع ملايين المشاهدين يومياً، على «الخطاب المرن» و»الودي» لترامب تجاه روسيا.
وأياً كانت هوية الرئيس الأميركي الفائز اليوم، فإن الشعور الغالب في روسيا هو ان المنتصر الأول في هذه الانتخابات هو الرئيس فلاديمير بوتين. نجح الكرملين على رغم تشديده اكثر من مرة على عدم تدخل روسيا في الحملة الانتخابية الأكثر سخونة في ارباكها اكثر من مرة، وعمل على التأثير في مسارها، ليس بهدف تحسين ظروف فوز المرشح الجمهوري المفضل بالنسبة الى روسيا تقليدياً، فهذه مهمة تدرك روسيا كما يقول معلقون انها محدودة النتائج، بل لتحقيق جملة من الأهداف الأخرى، بينها زعزعة الثقة بالعملية الانتخابية الأميركية مع ما يحمل ذلك من تشكيك في صدقية كل الشعارات التي تقدمها الولايات المتحدة للعالم حول نشر الديموقراطية والدفاع عن الحريات.
ولم يكن ذلك مستغرباً في ظروف تدهور العلاقات مع ادارة الرئيس باراك اوباما الى اسوأ مستوياتها في تاريخ علاقات البلدين، وموسكو لا تحبذ تقليدياً وجود رئيس ديموقراطي في البيت الأبيض وتجد «لغة مشتركة» اوسع مع الرؤساء الجمهوريين.
اللافت اكثر من التغطيات الإعلامية، هو حشد كل طاقات الأجهزة والمؤسسات الروسية للتعامل مع الانتخابات بلغة التشكيك والطعن، وهو أمر يعد سابقة بدوره، اذ لم يسبق ان عقد مسؤولون روس بينهم رئيس لجنة الانتخابات السابق فلاديمير تشوروف وهو يعمل حالياً في وزارة الخارجية، مؤتمراً صحافياً مخصصاً للكشف عن عيوب النظام الانتخابي الأميركي، واحتمالات الخروج بنتائج «غير نزيهة». كما ان الخارجية الروسية اثارت ملف المراقبة على الانتخابات، وحولتها الى ازمة انتهت امس، بإعلان نائب الوزير سيرغي ريابكوف ان المراقبين الأميركيين سوف يحرمون من دخول الدوائر الانتخابية الروسية مستقبلاً بسبب تعرضهم لمضايقات في مراقبة انتخابات الرئاسة الأميركية.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا اتهمت مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي بممارسة ضغوط مباشرة على الديبلوماسيين الروس، لمنعهم من مراقبة الانتخابات.
يضاف الى ذلك التعليقات اليومية لبرلمانيين روس، وبروز دور «فدائيي القرصنة» المتطوعين الذين اعلنوا انهم سيخترقون انظمة التصويت، وعشرات غيرها من الأمثلة الموجهة في شكل محدد لإضعاف الثقة بنتيجة الانتخابات.
والهدف الرئيس كما يقول خبراء اضافة الى اثارة بلبلة وهزّ صورة الولايات المتحدة ان «روسيا عملت على الإسهام في تعميق المأزق الداخلي لأي من المرشحين»، فكلينتون المتهمة من جانب روسيا بـ «دعم الثورات الملونة» والتحريض على احتجاجات واسعة في روسيا بعد انتخابات البرلمان في 2012، ستواجه في حال فوزها معارضة داخلية تعيق سياساتها الخارجية، وترامب سيحمل شكلياً خطاباً أقل ضرراً بالنسبة إلى روسيا، لكنه سيواجه تحدياًً متمثلاً في مواقف دولية لم يسبق أن واجهها رئيس أميركي.
الحياة اللندنية