ترامب في اللغة الإنكليزية تعني الورقة الرابحة… وقد فاجأ ترامب الجميع وفاز فعلاً بمنصب رئاسة أقوى دولة في العالم… ولكنه ورقة رابحة لمن؟
قد يكون ترامب الورقة الرابحة لأنصار التطرف في العالم. فبوتين المتطرف في إبادة السوريين وسحقهم كان من أوائل الذين هنأوا ترامب. من أوروبا أيضا؛ زعماء اليمين المتطرف سارعوا لتهنئة ترامب، وخاصة اليمين الفرنسي الأكثر تطرفاً.
وبشار الأسد المتطرف في الاستبداد والطائفية؛ يُقال إنه يشرب الأنخاب فرحاً بفوز ترامب الذي صرح علناً لصالحه ولصالح بقائه، ولم يعد الأمر يحتاج للوسطاء والعرّافين، ولن يتأخر بشار كثيرا عن تهنئة ترامب المتطرف الصريح.
ولكن هل ستكون سياسة ترامب المتطرف تجاه سوريا أكثر سوءاً من السياسة المتوقعة لكلنتون لو نجحت؟ أو سياسة أوباما التي أسست لدور أمريكي متقلب جداً ولكنه دور اتضح أنه مقصود ومبرمج؟
من المؤكد أنه لا يوجد أسوأ مما مضى على الثورة السورية والسوريين المنتفضين، وما مضى كانت فيه إدارة أوباما حاضرة بتهاوناتها المقصودة، وصفقاتها المعهودة ومساعداتها الموهومة أو المشروطة للثورة السورية وفصائل الجيش الحر.
لقد أعطى أوباما إشارات الإمهال الكامل لبشار الأسد منذ البداية ليمارس كل أنواع الجريمة المنظمة لسحق الثورة السورية، ومنذ البداية كانت المعلومات لدى إدارة أوباما عما يجري من انتهاكات أكثر مما يتصور إنسان، وعندما ووجه السفير فورد بذلك في القاهرة نهاية عام 2012؛ لم يُنكر ولم ينف أن الإدارة الأمريكية على علم تفصيلي بما يجري في الأقبية ومقرات النظام وغرفه المقفلة في دمشق…
ومارست إدارة أوباما سياسة باطنية، ظاهرها دعم ومساندة الثورة السورية وباطنها التحكم بأكبر عدد ممكن من الثوار على الأرض عن طريق غرفتي الموك والموم، حيث استطاعتا تجميد جبهات كثيرة ضد النظام السوري في الجنوب والشمال، ثم قامت بتقوية وتسليح مليشيات “البي يي دي” وأشرفت عليها لاحتلال مناطق الجيش الحر في شمال وشرق مدينة حلب. وبعد التدخل الروسي، قامت الإدارة بالتنسيق مع روسيا في عدة أمور، ثم وصلت إلى تنسيق وتعاون كامل برز كمشاركة عسكرية واضحة مباشرة في تدمر ثم في جنوب غرب حلب في منطقة الكليّات.
وهناك المعلومات التي شاركت فيها أمريكا روسيا، وضرب الطيران الروسي فصائل الجيش الحر بناءً على تلك المعلومات…
ولو فازت هيلاري كلنتون فمن المرجح أن تبقى السياسة الأمريكية تجاه سوريا وثورتها كما هي، أو تزداد سوءاً. فهيلاري كلنتون هي من افتتح سياسة أوباما في سوريا عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية. وهيلاري كلنتون أشارت في حملتها الانتخابية إلى أنها تساند وتؤيد قوات سوريا الديمقراطية التي تتمدد في شمال سوريا شرقا وغربا على حساب سوريا وثورتها…
ولم تُظهر كلنتون أي إشارات باتجاه تغيير جوهري في سياسة النفاق والاتفاق التي مضى عليها أوباما في سوريا.
أما ترامب ففي بداية حملته الانتخابية قال منتقداً سياسة أوباما في سوريا:
“لقد بدأت معاناة السوريين عندما لم يلتزم أوباما بتعهده ولم يقم بمهامه التي كان ينبغي له تنفيذها عندما وضع خطاً أحمر للأسد، ولكنه تبين أنه خطٌّ وهميٌّ للغاية. وكما تعلمون، فإن السوريين يعيشون في جحيم… الأوضاع هناك لا تطاق، وليس هناك شك في أنه يجب أن نقوم بشيء حيال ذلك”…
كان هذا الكلام من ترامب في البداية وسرعان ما تحول وتبدل ليقول بوجوب عدم فعل شيء: “لنترك داعش والنظام السوري وسائر الأطراف ليصطرعوا وسنحصل على ما سيتبقى”.
ثم انقلب ترامب في تصريحاته واستقر على كلامٍ فاضحٍ صريحٍ بضرورة التفاهم مع بشار الأسد والتعاون معه، بل الاعتماد عليه في الحرب ضد داعش.
لقد تساءلنا منذ تسعة شهور: هل يمكن أن يصل ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية؟ هل من الممكن أن يحصل على أصوات الأمريكيين وهو يستعدي الجميع ويتفنن في جمع الأعداء وتأجيج بغضهم له بشدة وإصرار بدون تراجع أو اعتذار؟
ترامب صرح بشكل مدوّ وصارخ في حملته الانتخابية مثيراً المخاوف: إن الإسلام مشكلة لأمريكا يجب التخلص منها، وأنه يجب منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ولا بد من إغلاق معظم المساجد ومراقبة المسلمين الأمريكيين وتخصيص قاعدة بيانات لهم لمراقبتهم وعزلهم… وهدد اللاجئين السوريين بالطرد، ووصفهم بالأفاعي، واتهمهم بأنهم قد يشكلون جيشا من الإرهابيين، وأنهم ربما كانوا دواعش دخلوا تحت مسمى لاجئين وقال: “انظروا هل رأيتم هجرة كهذه.. جميعهم رجال وشبان أقوياء… لماذا لم يبقوا في بلادهم ويدافعوا عن سوريا؟”.
كل هذه التصريحات والمواقف وغيرها؛ لم يخش ترامب من عواقبها بخسارته لأصوات المسلمين الأمريكيين، فنسبة المسلمين لا تجاوز أصلاً الواحد في المئة من سكان الولايات المتحدة، وأفادته مواقفه بنسب مضاعفة بإثارته مخاوف الأمريكيين ليميلوا إلى التطرف وينتخبوه…
وسياسة أوباما هي التي مهدت لترامب في ذلك عندما تم التهويل من خطر داعش وقوتها، وتمت تعبئة الشارع الأمريكي ضدها بشكل ممنهج مدروس كجزء من صناعة الحرب ضد داعش، ولم يلق ترامب بعد ذلك صعوبة تُذكر بربط داعش بالإسلام كله.
لقد توقعنا وتوقعت معظم استطلاعات الرأي طيلة مدة الحملة الانتخابية أن يكون ترامب مثل الترامبولين “المنطّة” التي ستقفز عليها هيلاري كلنتون إلى الرئاسة الأمريكية، لشدة عداوات ترامب وكثرة تناقضاته ولكننا قلنا في النهاية: “إذا فاز ترامب بالرئاسة فسيكون الأمر مفاجئا ولغزا ضمن الألغاز الثابتة الكثيرة للسياسة الأمريكية منذ أيام المؤتمر التأسيسي للولايات المتحدة، يتمثل بكيفية تمكن النخب الثرية من ممارسة تأثيرها القوي الخفي المرجِّح في الحياة العامة في بلد ديمقراطي وفي اللحظات الأخيرة”.
وتجاه سوريا لن يستطيع ترامب أن يكون أكثر سوءاً من إدارة أوباما، إلا في ظهور ونضج ما بذره أوباما وزرعه. وما زرعه أوباما نبات ملوث خبيث لا يخرج إلا نكدا…
وقد علّق أحد الثوار السوريين: “لماذا تختلفون في أيهما أسوأ تجاه سوريا؟.. لقد فاز أبو لهب على حمّالة الحطب”.
عربي21