عرفت سوريا منذ القدم بخيراتها ومنجاتها الوفيرة، وفي مقدمتها المنتجات الزراعية، فقد كانت سابقا من الدول المصدرة لأهم الحاصلات الزراعية والتي تزيد عن حاجتها، إلا أن سنوات الحرب كانت كفيلة بتراجع الزراعة وفي مقدمتها القمح، إذ يعتبر أساس صناعة الخبز والذي يشكل المصدر الغذائي الأول لجميع السوريين.
تحولت سوريا من دولة مصدرة لمستوردة لمادة القمح بعد أن كانت تحقق اكتفاء ذاتيا، فقد أعلنت المؤسسة العامة للتجارة وتصنيع الحبوب السورية التابعة لحكومة النظام مؤخرا عن مناقصة لاستيراد 200 ألف طن من القمح اللين والذي يستعمل في صناعة الخبز، وذكرت المؤسسة أن آخر موعد لتقديم العروض هو 15 من الشهر الجاري.
وستستخدم المؤسسة في دفع تكاليف الاستيراد الخط الائتماني الذي قدمته إيران للحكومة السورية بقيمة مليار دولار، لسد احتياجاتها الأساسية من المواد الغذائية والمحروقات، فلم تكتف إيران بدعم النظام السوري عسكريا، لا بل اقتصاديا بعد أن شارف على الانهيار، وفقدت الليرة السورية جزءا كبيرا من قيمتها.
وقد تم توقيع الخط الائتماني الإيراني بين المصرف التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني، وتعتبر هذه الاتفاقية الثانية من نوعها، فقد تم توقيع اتفاقية سابقة بقيمة 3,6 مليار دولار مع ايران في يوليو 2013، حيث استخدم معظمه لتمويل المشتقات النفطية.
كانت محافظة الحسكة سابقا من أهم المحافظات السورية بزراعة القمح، إذ تنتج وحدها مايقارب 65% من إنتاج سوريا، إلا أن مخازن وصوامع الحبوب في المحافظة شبه خالية من القمح والشعير، ولعل الواقع الأمني المتردي وغياب الدعم واحتكار بعض التجار المستلزمات الزراعية فضلا عن توقف المصارف الزراعية عن تقديم الخدمات والدعم، من أبرز أسباب تراجع زراعتها الأمر الذي أثقل كاهل الفلاحين بالقروض والديون.
فكانت خطوة استيراد القمح عبر مناقصة الحل الوحيد أمام حكومة النظام لتفادي العجز والنقص في مخزونها، بعد أن صرحت العام الماضي أن كمية الأمطار مبشرة بموسم وفير من القمح ولن تحتاج سوريا لاستيراده بل سيكون هناك فائض منه، مما دعا لسخرية بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عقب مناقصة تم الإعلان عنها لاستيراد كمية من القمح من روسيا العام الماضي.
وبحسب مديرية الزراعة في الحسكة فإن الخطة الزراعية لهذا الموسم لمحصولي القمح والشعير، تتضمن 228 ألف هكتار من القمح المروي، و488 ألف هكتار من القمح البعل، و 21 ألف هكتار من الشعير المروي، و342 ألف هكتار من الشعير البعل، وهي مساحات قليلة مقارنة مع الأعوام السابقة، إذ أن السبب الأهم بانخفاضها يعود لامتناع الحكومة عن تقديم الدعم لمزارعي المنطقة الشرقية المتمثل بالبذار والأدوية، أبوعبد الرحمن مزارع من ريف الحسكة يقول:” تسبب ارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية لمحصولي القمح والشعير في السوق السوداء، لعزوف معظم الفلاحين عن زراعته، فكانت زراعة الكمون و حبة البركة والكزبرة والحلبة، خير بديل عنه نظرا لكلفتها المنخفضة وتحقق ربحا لابأس به، فضلا عن ملاءمتها للظروف المناخية “.
اقتصاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، لولا الدعم الذي يتلقاه النظام من حلفائه في روسيا وإيران، غير آبه بما سيؤول إليه الشعب عندما يصبح رغيف الخبز حلما لمن تبقى من سكان سوريا، فما من حل جذري ينهي هذا الصراع، فجميع الحلول آنية وتنتهي بانتهاء الكميات المستوردة، بينما ينهمك النظام بتأمين معداته العسكرية ليقتل من تبقى من الشعب الذي لاحول له ولاقوة.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد