غزة / نور أبو عيشة / الأناضول
حذر مسؤولون ومراقبون فلسطينيون من حدوث “كوارث إنسانية” في حال طبقت إسرائيل قرارها بتقليص امداداتها من الكهرباء لقطاع غزة.
ويعيش سكان قطاع غزة أزمة كهرباء “خانقة”، منذ 10 سنوات، طالت تداعياتها القطاعات الحيوية الرئيسية كالصحة والبيئة والمياه.
وفي وقت متأخر من مساء الأحد الماضي، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت”، خفض إمدادات الكهرباء إلى قطاع غزة.
وتزود إسرائيل غزة بنحو 120 ميغاوات من الكهرباء، وتعد حاليا المصدر الوحيد للطاقة بعد توقف محطة الكهرباء عن العمل منتصف أبريل/نيسان الماضي.
ورأى المراقبون أن ذلك القرار يستهدف الضغط على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، التي تحكم القطاع، لإجبارها على تقديم تنازلات للسلطة الفلسطينية.
وفي الوقت الراهن، تصل ساعات قطع التيار الكهربائي إلى 20 ساعة يومياً، وسط توقعات بزيادة ذلك الرقم، عقب تطبيق القرار الإسرائيلي.
وحمّلت حركة “حماس”، أمس الإثنين، إسرائيل تداعيات قرار تقليصها لكهرباء غزة.
وقال عبد اللطيف القانوع، الناطق باسم “حماس”، في بيان وصل “الأناضول” نسخة منه: “قرار الاحتلال الإسرائيلي تقليص كهرباء غزة بطلب من رئيس السلطة محمود عباس؛ كارثي وخطير كونه يمس بمناحي الحياة كافة في غزة”.
بدوره، حذّر أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، من التداعيات التي وصفها بـ”الخطيرة” للقرار الإسرائيلي القاضي بتقليص الكميات الواردة من الكهرباء لغزة، على صحة المرضى.
وقال القدرة، في تصريح لـ”الأناضول”: “هذا القرار سيكون له تداعيات خطيرة، نحن أمام خطر حقيقي يتهدد قطاع غزة والصحة العامة للمجتمع الفلسطيني”.
وأوضح القدرة أن ذلك القرار يستهدف “تفاصيل الحياة العامة للمواطن الفلسطيني، وسيضرب الخدمات الحيوية المقدّمة للمواطنين خاصة خدمات المياه والبيئة والصرف الصحي”.
وحمّل إسرائيل مسؤولية العواقب “الوخيمة” التي ستترتب على تطبيق ذلك القرار، خلال الأيام القليلة القادمة، خاصة في ظل عدم توفّر كميات كافية من الوقود في مستشفيات القطاع.
فيما حذّرت سلطة جودة البيئة من حدوث “شلل شبه تام في كافة المرافق الحيوية والخدماتية والبيئية خاصة في خدمات التزود بالمياه والتخلص من مياه الصرف الصحي”.
وقال عطية البرش، مدير دائرة الصحة العامة والمخبر البيئي التابع لسلطة البيئة في غزة لوكالة الأناضول: “نتابع بقلق بالغ مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع، ونحذّر من تفاقم المشكلة في حال تم تقليص ساعات وصل الكهرباء”.
وأوضح أن تفاقم أزمة الكهرباء تُلقي بظلالها السلبية والخطيرة على البيئة، خاصة كونها تشكّل تهديداً لشاطئ بحر غزة، الذي بات مستنقعاً يستقبل مياه الصرف الصحي، غير المعالجة، في ظل توقف محطات المعالجة عن العمل.
وفيما يتعلق بالقطاع الصناعي، فإن غياب الطاقة الكهربائية أو انقطاعها ألحق خسائر كبيرة، بالمصانع تصل إلى نحو 40 مليون دولار شهريًا، حسب الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية.
وأعلنت سلطة الطاقة في غزة (تديرها حماس)، منتصف أبريل/نيسان المنصرم، توقّف محطة توليد الكهرباء عن العمل، وأرجعت السبب إلى الضرائب التي تفرضها الحكومة الفلسطينية برام الله، على الوقود الخاص بالمحطة.
في ذات الوقت، قال طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية، إن هذا القرار يحمل وجهين اثنين، مستبعداً تعجيله للمواجهة العسكرية بين غزة وإسرائيل.
وتابع، خلال حديثه مع “الأناضول”: “الوجه الأول وجود تدخل أمريكي شكّل ضاغطاً على إسرائيل لتنفيذ مطلب السلطة الفلسطينية ولدعم موقفها”.
أما الوجه الآخر، فقد تستفيد إسرائيل من هذه الحالة؛ فتروّج أولاً أنها ليست هي المسؤولة عن خنق سكان قطاع غزة بل السلطة الفلسطينية التي تفعل ذلك، وقد تعطي مبرراً لـ”حماس” للبحث عن حلول سياسية مع مصر أو أي أطراف أخرى، وفق عوكل.
كانت صحف إسرائيلية قالت مؤخراً إن السلطة الفلسطينية أبلغت إسرائيل رفضها دفع قيمة التيار الكهربائي الذي يستهلكه قطاع غزة.
واتفق معه المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، الكاتب في صحف فلسطينية محلية، قائلاً، إن قطاع غزة يشهد أوضاعاً إنسانية متدهورة جداً، لكنّ حركة “حماس” تدرك تماماً خطورة الأوضاع، ولن تنجرّ إلى مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل.
وتابع، في حديثه مع “الأناضول”: “حماس والفصائل الفلسطينيين غير معنيين بمواجهة جديدة مع إسرائيل، خاصة في ظل وجود النتائج الكارثية للحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على القطاع منتصف عام 2014”.
واستكمل قائلاً: “رغم اشتداد العوامل الضاغطة والظروف الإنسانية الصعبة في غزة من تقليص رواتب موظفي السلطة، وتفاقم أزمة الكهرباء، وتدهور الأوضاع الإنسانية وتقليص الخدمات الحيوية، والأزمة الخليجية وتأثيرها على الدعم للقطاع، إلا أن حماس تبقى غير معنية بالمواجهة العسكرية”.
من جانب آخر، يرى إبراهيم أن إسرائيل لديها نوايا عدوانية وأخرى لتشديد الحصار على قطاع غزة.
وأضاف: “الحديث الإعلامي الإسرائيلي حول اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين قطاع غزة وإسرائيل، هو صادر من كتّاب إسرائيليين إما يحذرون مسؤوليهم من انفجار متوقع، أو يحرّضونهم نحو المواجهة”.
وتعصف بقطاع غزة، في الوقت الراهن أزمات اقتصادية وإنسانية، جرّاء توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل منذ أكثر من شهرين، إضافة لخصم الحكومة الفلسطينية جزءاً من رواتب موظفي القطاع، والذي زاد من مستويات الفقر العالية.
وحذّرت الأمم المتحدة، في وقت سابق، من حدوث “أزمة إنسانية كبرى”، في قطاع غزة، جرّاء أزمة الكهرباء التي وصفها روبرت بايبر، منسق منظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، بـ”الحادّة”.
وعلى الصعيد الإنساني، حذّرت اللجنة الشعبية لرفع الحصار غزة (غير حكومية) من تفاقم الأزمات الإنسانية في قطاع غزة بالتزامن مع تطبيق إسرائيل قراراها تقليص إمدادات الكهرباء لغزة.
وقال جمال الخضري، رئيس اللجنة، في بيان وصل “الأناضول” نسخة منه: “توقف محطة توليد الكهرباء منذ حوالي شهرين تسبب في أزمات إنسانية يصعب تجاوزها”.
وأوضح أن تجاوز تلك الأزمات يتم من خلال زيادة كميات الكهرباء الواردة إلى غزة، لا بقرار التقليص الإسرائيلي.
وتنفي الحكومة الفلسطينية، اتهامات حركة حماس لها، بالتسبب بأزمة الكهرباء.
وقال الناطق باسم الحكومة، يوسف المحمود، في بيان أصدره أمس، إن حركة “حماس” هي التي تتحمل مسؤولية استمرار أزمة الكهرباء، كونها تجبي أموال فواتير الكهرباء منذ العام 2007، دون أن تعيدها للخزينة العامة.
ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية، منذ منتصف يونيو/ حزيران 2007، في أعقاب سيطرة “حماس” على قطاع غزة.