يُخشى على نطاق واسع في حال أقدمت الولايات المتحدة على إغلاق سفارتها في بغداد، أن تتبعه ضربات تستهدف الفصائل المسلحة العراقية المنضوي معظمها في هيئة الحشد الشعبي، فضلا عن إمكانية تصاعد المواجهة بين أميركا وإيران على الأرض العراقية.
ومن بين من حذر من ذلك صحيفة واشنطن بوست، في مقال نشرته مؤخرا للكاتب المتخصص في الشؤون الخارجية ديفيد إغناشيوس، كشف خلاله أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حذر -في لقاء خاص- المسؤولين العراقيين، من أن واشنطن ستغلق سفارتها في بغداد إذا لم تتحرك لوقف هجمات المليشيات المدعومة من إيران على المجمع الذي يضم مبنى السفارة.
وبدوره يفتح ذلك الباب أمام تداعيات خطيرة قد تطرأ على الساحة العراقية، ولا سيما مع تمسك قوى سياسية بقرار البرلمان الذي يقضي بإخراج القوات الأميركية من العراق، والذي جاء في يناير/كانون الثاني الماضي ردا على قتل أميركا بغارة جوية قائدَ فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس.
الحصار مقابل الانتصار
وفي هذا الشأن، حذر نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ظافر العاني من أن غلق السفارة الأميركية -في حال نفذ- سيؤدي بالعراق إلى عزلة سياسية.
وأضاف العاني في حديث للجزيرة نت أن الوضع سيتعدى ذلك إلى ضربات انتقامية من أميركا لقادة ومقرات المليشيات، فضلا عن إيقاف التعاون الأمني والعسكري والعقوبات الاقتصادية والمالية.
وفي المقابل، قال القيادي في الحشد الشعبي المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء الشيخ كاظم الفرطوسي إن فصائل المقاومة تحترم وجود البعثات ولا ترى مصلحة في مهاجمتها، لافتا في الوقت ذاته إلى مشروعية استهداف الوجود العسكري الذي يعتبر “حقا مشروعا، ويختلف عن استهداف البعثات التي تعتبر خطا أحمر”.
وفيما يتعلق بأبرز تداعيات إغلاق السفارة على الجانب الأمني والاقتصادي، رأى الفرطوسي -في حديث للجزيرة نت- أن العراق يمرّ حاليا بأسوأ حالاته، وليس من المنطق التخوّف من القروض التي توفرها أميركا للعراق مقابل الفوائد، فضلا عن أن أي استهداف قد يطال الحشد -الذي يأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة- دون أي رد فعل من قبل الحكومة، سيدلل على أنها “مستأجرة”.
وقال إن التلويح بإغلاق السفارة الأميركية وممارسة الضغط على باقي السفارات لتمضي في نفس الاتجاه، لا يثبت سوى سوء النية.ولفت الفرطوسي إلى أن السفارة الأميركية نقلت منذ عام إلى محافظة أربيل (في إقليم كردستان العراق) شمالي البلاد، معتبرا أن هناك شكوكا في أن الاستهدافات التي تطال البعثات في بغداد أصلا مرتبطة بجهات ذات علاقة بالسفارة الأميركية، لتبرير إجراءاتها ضد فصائل المقاومة.
انقسامات
من جانبه، قال المحلل السياسي إحسان الشمري -في اتصال مع الجزيرة نت- إن إغلاق السفارة سيؤدي إلى انقسام سياسي داخلي ما بين قوى رافضة للإغلاق وأخرى مرحبة به، فضلا عن إيقاف الدعم للعراق سواء من أميركا أو المنظومة العربية.
وأضاف أن إطلاق التحذيرات في هذا الوقت يتعلق بالانتخابات الأميركية، وتخوّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن يتم استخدام ورقة استهداف السفارة الأميركية والمصالح الأميركية في العراق ضده، مما دفعه لأن يوجه رسائل صلبة باتجاهات عدة، منها إلى الفصائل المسلحة، وأيضا إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بهدف دفعه وتحفيزه نحو إيقاف تلك الاستهدافات التي أصبحت تزعج الأميركان.
وبالرغم من ذلك، استبعد الشمري إمكانية التحول إلى حالة حرب مفتوحة بين طرفي النزاع، أو محاولة إيران استدراج أميركا للصدام، معتبرا أن الأمر قد يقتصر على المماحكات، لأن إيران على يقين من أن واشنطن لن تتردد في استخدام قوتها في أي لحظة قد تشعر فيها أن هناك خطرا يهدد مصالحها.
ورأى أن إغلاق السفارة سينعكس سلبا على الكاظمي وحكومته، وسيفقده موقفه أمام الشعب ويضعه أمام خيار المواجهة، والذي يبدو حتى الآن خيارا مؤجلا في حساباته.
الموقف العراقي
وكان أحمد ملا طلال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء، قد صرح أمس الثلاثاء بأن انسحاب أو غلق أي بعثة دبلوماسية لأي دولة ستكون له تداعيات كارثية على المنطقة برمتها، مشيرا إلى أن قرار الحرب والسلم هو صلاحية حصرية للمؤسسات الدستورية العراقية، مؤكدا على أنه لا يوجد احتلال في البلد حاليا، وأن قوات التحالف جاءت بطلب من الحكومات العراقية السابقة.
بينما قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر -في بيان- إن استمرار القصف الذي يطال البعثات الدبلوماسية يمثل إضعافا للعراق، كما طالب الحكومة العراقية بتشكيل لجنة تحقيق أمنية وعسكرية وبرلمانية لمعرفة الفصائل التي تقوم بهذه الهجمات ومحاسبتها.
بينما قال الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي – في بيان الأحد الماضي- إنه لا يوجد استهداف للبعثات الدبلوماسية في العراق، والحادث هو استهداف للسفارة الأميركية التي تعد سفارة دولة محتلة للعراق، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا توجد مصلحة في استهدافها حاليا لأن ذلك قد يستغل للمساس بهيبة الدولة العراقية.
نقلا عن الجزيرة