كان للسياسة التي اتبعها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تأثير سلبي على السياسة الأمريكية الخارجية وعلى مشاكل العالم برمته، حيث جعلها عديمة التأثير نتيجة عدم المبالاة بما يحدث.
من هنا كان نجاح المرشح الرئاسي دونالد ترامب، الذي أطلق وعوداً انتخابية كثيرة تتناغم ورغبات الشعب الأمريكي، كما أنه تهكم كثيراً على سلفه الرئيس باراك أوباما، واستهزأ بسياساته.
تحت التجربة
لكن دونالد ترامب وبعد خوض التجربة كرئيس لم يكن “ترامب المرشح”، فقد سقط في زلات كثيرة عند أول امتحانات تعرض لها، حيث وضعت أزمة الخليج السياسة الأمريكية على المحك لتظهر السياسة الخارجية منقسمة إلى قسمين، فساكن البيت الأبيض يغرد على تويتر كما يشاء، في حين أن الإدارة الأمريكية متمثلة بوزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس باتا يمثلان الشطر الآخر من السياسة الأمريكية اليوم، حيث أضيفت مهمة للرجلين ومعهما مسؤولون آخرون وهي التخفيف من حدة تصريحات وتغريدات الرئيس ومحاولة تفسيرها بطريقة مختلفة، وذلك كي لا تخلق مشاكل للإدارة الأمريكية، فقد صرحت صحيفة نيويورك تايمز بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدخل نفسه في النزاع المرير الذي يحصل في الخليج العربي ووقف إلى جانب المملكة العربية السعودية في عزلها لجارتها الصغيرة دولة قطر، وهو بذلك يقامر بالعلاقات الاستراتيجية الأمريكية الهامة مع حليف قديم نسبياً، وليست الإدارة في وارد التخلي عنها اليوم.
كما أشارت الصحيفه إلى تغريدة الرئيس ترامب التي قال فيها: إن الحصار الخليجي على قطر ربما يكون بداية النهاية لتمويل الإرهاب، ولفت إلى أن قادة الخليج أشاروا نحو قطر عندما تحدث عن وجوب وقف تمويل الإرهاب.
(وهذه إشارة إلى أن رؤساء وزعماء دول من يعملون مخبرين على بعضهم لصالح الرئيس الأمريكي).
كما أنه نشر تغريدة تضمنت إشادة بالخطوة التي أقدمت عليها السعودية بقطعها للعلاقات مع قطر، وهو نفسه الذي اتصل بأمير دولة قطر عارضاً عليه المساعدة في حل الخلاف، من خلال عقد اجتماع في البيت الأبيض إذا تطلب الأمر ذلك.
أصبحت هناك مهمة إضافية لكل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، وهي التخفيف من حدة تصريحات وتغريدات الرئيس ترامب، ومحاولة تفسيرها بطريقة مختلفة، وذلك كي لا تخلق مشاكل للإدارة الأمريكية.
موقف محرج
ونشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية تقريراً أكدت فيه أن تصريحات دونالد ترامب حول قطر جاءت متناقضة مع السياسات والتوجهات الأمريكية وهو ما أوقع المسؤولين والسياسين والعسكريين بواشنطن في موقف محرج أثناء محاولتهم تفسيرها، كما قالت الوكالة في تقريرها إن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وجد نفسه في موقف محرج حيث قال: “إن ترامب لم يكن يقصد ما قاله بالضبط ولا ينوي تغيير السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة طيلة سنوات بمجرد إطلاقه لتغريدة أو اثنتين”.
وقد حذر هذا التقرير من أن هذه الأزمة تضع المصالح الأمريكية على المحك، وخاصة قاعدة العديد الجوية في قطر والتي تضم قرابة العشرة آلاف مقاتل والتي تبلغ كلفة إنشائها بحدود 60 مليون دولار أمريكي، وتمثل مركز القيادة والعصب الرئيس في العمليات الجوية ضمن الحرب على تنظيم الدولة.
واعتبر التقرير أن ترامب أظهر قلة وعي بهذه التعقيدات والحسابات الأمريكية، كما أشار إلى أن خبراء السياسة الخارجية الأمريكية أظهروا قلقاً كبيراً من فقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها أمام العالم جراء التغريدات التي يطلقها ترامب على حسابه في تويتر.
يضاف لهذه التناقضات ما أقدمت عليه وزارة الدفاع الأمريكية من إتمام صفقة الطائرات لقطر، إذ أنها اتمت بيع ست وثلاثين طائرة طراز ف 15 بمبلغ يقدر بـ 12 مليار دولار أمريكي كما أنها أرسلت سفينتين حربيتين إلى ميناء حمد في قطر لإجراء مناورات مشتركة مع البحرية القطرية.
هذه التناقضات في المواقف والتصريحات والأفعال بين ساكن البيت الأبيض وباقي أعضاء الإدارة الأمريكية والمسؤولين أفقدت السياسة الأمريكية مصداقيتها حيال أزمة الخليج، كما زعزعت زعامة أمريكا للعالم، إذ إن أوروبا شعرت بانعزال الولايات المتحدة عنها، وراحت تتخذ مواقفها لوحدها دون انتظار موقف واشنطن وهذا ما عبرت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كما كان للرئيس الفرنسي الجديد مانويل ماكرون مواقف تعبر عن وجوب اتخاذ قرارات بما يتناسب ومصلحة فرنسا لوحدها، ومنها قراره باشتراك فرنسا في الإطاحة ببشار الأسد ضمن تجمع دولي إذا حصل.
التناقضات في المواقف والتصريحات والأفعال بين ترامب وباقي أفراد إدارته أفقدت السياسة الأمريكية مصداقيتها حيال أزمة الخليج، كما زعزعت زعامة أمريكا للعالم، إذ أن أوروبا شعرت بانعزال الولايات المتحدة عنها، وراحت تتخذ مواقفها لوحدها.
أقطاب جديدة
إن هذه المواقف التي تدل على صعوبة استيعاب “التاجر” دونالد ترامب للسياسة الأمريكية والعمل الدبلوماسي وتحوله لرئيس، تجعل ترامب الرئيس يحسد باراك أوباما الذي كان يستهزء به، وتدل أيضاً أن السياسة الأمريكية ستقع بمطبات كثيرة ينتج عنها مصائب تقع على شعوب وجماعات، لكن هذه السياسة أيضاً قد تكون سبباً بتكوين أقطاب أو أحلاف جديدة، وإنهاء مرحلة القطب الواحد أو القطبين.
صدى الشام