هل بقي شيء لم يخلط بالسياسة في الأزمة الأوكرانية، الرياضة، الدين، الفن، حتى نزل مستوى الخلط إلى الحيوانات، “أعزكم الله”، فقد حظر الاتحاد الدولي للقطط مشاركة القطط الروسية في المعارض الدولية.
قبل أن تبدأ القوات الروسية هجومها على أوكرانيا، منذ شهر تقريباً، كان من الموبقات العظام مزج الآراء السياسية بأي فعالية دولية، فالرياضة مثلاً وفق قوانين الاتحاد العالمي لكرة القدم (الفيفا) كانت شعارها “عدم خلط الرياضة بالسياسة”، وجرى معاقبة الكثير من الرياضيين المؤيدين للقضية الفلسطينية، بحجة خلطهم الرياضة بالسياسة، في الوقت الذي كانت الطائرات الإسرائيلية تدك قطاع غزة المحاصر، وتهدم الأبنية على رؤوس ساكنيها، وليس بعيداً عن أفعال الصهاينة في فلسطين، فقد فاق النظام السوري شقيقه بالإجرام الكيان الصهيوني، ودمر مدناً بكاملها على رؤوس ساكنيها، وشرد الملايين، لكن شعار (الفيفا) ظل صامداً لا يجوز خلط السياسة بالرياضة، بل دعي منتخب التابع للنظام السوري أو كما يسميه البعض “منتخب البراميل” للمشاركة بالاستحقاقات الدولية كلها.
لكن ما إن بدأت الحرب الأوكرانية واتضح أن ضحاياها من أصحاب “البشرة البيضاء والشعر الأشقر”، حتى سارعت (الفيفا) للتعليق عبر موقعها الرسمي “إن الفرق والمنتخبات الروسية ستحرم من المشاركة في جميع المسابقات الرياضية حتى إشعار آخر”، مضيفة أننا ” نتضامن مع جميع المتضررين في أوكرانيا، ونأمل أن يتحسن الوضع بشكل كبير وسريع، بحيث تصبح كرة القدم مرة أخرى قوة دافعة للوحدة والسلام بين الناس”.
الازدواجية الأخطر كانت في علاقة السياسة بالدين، فبعد أن كان السياسة الدولية قائمة على إدانة المزج بين الشعارات الدينية والسياسية في الأزمات، نجدها اليوم تتماهى بشكل غريب بين الخطابين، هل شاهدتم الترويج لأيقونات دينية تحمل الأسلحة ومضادات الطائرات وكيف تم التمجيد بالضابط الأوكراني الذي فجر نفسه بالجسر؛ لتأخير وصول القوات الروسية، ووصف البابا فرانسيس مدينة ماريوبول، التي تحمل اسم العذراء مريم “بشهيدة الحرب المروعة التي تعصف بأوكرانيا”.. هنا لا مكان لادعاء خلط الدين بالسياسة أو إطلاق وصف إرهابي، لأن هذا الوصف وللأسف محصور في أدبيات الغرب بأشخاص محددين!!.
عندما كانت المجزرة السورية قائمة على أشدها، لم تكن السياسة الغربية فعالة ومجدية حتى عندما تمادى نظام الأسد وقصف بالكيماوي الغوطة وريف إدلب، لم يتحرك المجتمع الدولي، وكان أعظم ما قام به سحب السلاح الكيميائي من النظام، مع ترك بقية أسلحة القتل العشوائية بين يديه. ويذكر وزير خارجية فرنسا “جان لودريان” أن الرئيس الأمريكي أوباما أفشل محاولات معاقبة الأسد على جرائمه حينها.. أما عندما ادعت روسيا مؤخراً وجود برامج أبحاث بيولوجيا أمريكية في أوكرانيا، وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن، استحضرت المندوبة الأمريكية في المجلس الأزمة السورية، واستخدام بشار الأسد حليف روسيا للسلاح الكيميائي، بدون أن تذكر الجريمة الكبرى التي تسبب بها أوباما ومنح الأسد من خلالها طوق النجاة من العقاب.
المقارنة بين المجزرة السورية والأزمة الأوكرانية لاتزال تكشف ازدواجية المعايير والخلط المباح والخلط الممنوع في شريعة المجتمع الغربي.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع