بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
في ظل الاقتتال العربي_ العربي في #دول الخليج وضمن سجلات التآمرات العربية المعهودة في إضعاف الأمة العربية واستنزاف مقدراتها لخوض حرب داخلية استبدلت بالحرب الخارجية مع العدو، تترنح المعارضة السورية خائرة القوى فاقدة للبوصلة في انتظار تحلل الأزمة الخليجية، وذلك بعد ارتباط أقطاب المعارضة السورية بولاءات والتزامات علنية بالداعمين والممولين في الدوحة والرياض.
معروف للجميع ارتباطنا بالثورة السورية ارتباط الشريان بالقلب كرد فعل إنساني وأخلاقي قبل أن يكون الرد نابعا عن الانتماء للجمهورية العربية السورية كمواطنين.
ولقد تحدثت لمرات عديدة عن أخطاء المعارضة السورية الجسيمة عندما أعلنت سقوطها الطوعي في أحضان تلك الدول الخليجية والتي ترفع شعار المصالح مقابل شعار تخليص الشعب السوري من شرور نظام دمشق وحلفائه.
والآن تحصد المعارضة السورية ثمار ذلك السقوط، وتغادر مسرعة دائرة حقوق الشعب السوري المنهك خلال تلك السنوات الست من الحرب المستعرة لصالح الاصطفاف خلف الدوحة أو الرياض، وبحسب مرجعية الحوالات البنكية التي تستقر في رصيده المشبع بالدماء والدولارات.
وكما يمارس نظام الأسد الإرهاب ضد الشعب الأعزل تحت ستار مكافحة الأرهاب، يمارس بعض المعارضين السوريين تحت العباءة القطرية أو السعودية الإرهاب خلف جدران الدفاع عن الشعب السوري والمطالبة بحقه بالحياة والحرية.
وفي شأن مثل هذا التغيير المفاجىء من قبل الرياض والدوحة تجاه المعارضة السورية عقب اندلاع الأزمة الخليجية وانشغالهم برص الصفوف العربية والدولية في الحرب الجديدة أن يضعف المعارضة السورية ويحرف القطار عن مساره، وكان ذلك جراء التبعية المطلقة لتلك الدول من قبل (بعض ) منصات المعارضة السورية !! فمن استبدل الأكتاف العارية التي تحمله في ساحات الثورة مقابل الصعود على منصات مستأجرة كان لزاما عليه تنفيذ الأوامر .
وبطبيعة الحال فإن كرة الغضب التي تدحرجت في الخليج العربي سوف تصطدم بعربة الثورة السورية مع ارتفاع الدلالات والمؤشرات على احتمالية انتهاء المعارضة السورية الحالية تماشيا مع ذوبان الحاضنة الشعبية لتلك الأبواق التي انكشف دورها بالحديث باللهجة الخليجية ومن خلالها عن مطالب الشعب السوري .
وتدعم الفصائل المعارضة في سوريا دولا عدة بينها السعودية وقطر وتركيا والأردن وحتى الولايات المتحدة، بينما يلتئم شمل منصات المعارضة الموفدة إلى جنيف في تلك الدول الغنية.
وفي مؤشر بارز على تخبط أركان المعارضة السورية الناتج عن هذه الأزمة الخليجية، رفضت فصائل معارضة عدة تواصلت معها وكالة فرانس برس التعليق على الموضوع بسبب “حساسيته”.
واكتفى مسؤول في فصيل معارض في الغوطة الشرقية قرب دمشق بالقول “قطر والسعودية وتركيا والأردن والإمارات من الدول الداعمة لثورة الشعب السوري ووقفت مع معاناته منذ سنوات عديدة ونتمنى عليهم التصالح في أقرب وقت “.
وهنا يبرز لنا سؤال جوهري وعميق، هل كان لفك ارتباط فصائل المعارضة السورية بتلك الدول من شأنه أن يغير مجرى الثورة السورية، بعيدا عن تنفيذ أجندة تلك الدول والتركيز على تحقيق أهداف الثورة بدلا من ذلك الارتهان النفعي ؟؟؟
وكما يقول المثل العربي الشعبي ( أن كثرة الطباخين يفسد الطبخة )، وعبر نافذة هذا المثل نستطيع أن نتبين أسباب تأجيج الصراع الداخلي بين الفصائل العسكرية وزيادة التوتر والانقسام بين قوى المعارضة السياسية .
وفي السياق ذاته ينبغي أن نستذكر السبب الرئيس في خروج مدينة حلب من ركب الثورة، بعد خروج فصائل المعارضة من المدينة للمشاركة في عملية درع الفرات عقب صدور الأوامر من أنقرة بذلك.
فالدول الداعمة للثورة السورية وفق استراتبجة المكاسب لاتلقي اهتماما بالطوفان خلفها !!
عندما يصبح حليفي صديقا لعدوي تنقلب الآية ويصبح العدو صديقا بلا شك !!
وقد دخلت إيران على خط الأزمة الخليجية العربية مع قطر بصورة فجة، متلاعبة بورقة الإغاثة الإنسانية ومسارعة إلى فتح جسر جوي مع قطر، وأرسلت عدداً من الطائرات بناء على طلب قطر حملت المواد الغذائية.
كما أن قيام نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، حسين جابري أنصاري، بزيارة قصيرة إلى قطر، حيث التقى المسؤولين القطريين وتبادل معهم وجهات النظر حول العلاقات الثنائية وأهم القضايا الدولية، يصب في مصلحة الأسد بشكل مباشر ويخلق قفزة إيجابية لعلاقات نظام دمشق مع الدوحة من خلال وساطة حليف الأسد الأشرس ( إيران ).
وفي وقت سابق، أكد أمير قطر الشيخ تميم خلال الاتصال الأخير بروحاني “إن علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عريقة وتاريخية ووثيقة ونريد تعزيز هذه العلاقات أكثر مما مضى” !!
وهنا تصطدم آلاف إشارات الاستفهام في محيط من الحيرة والارتباك حول رغبة قطر الحقيقة في دعم الثورة السورية، وهل كانت لصالحها أم العكس في ظل التقارب الملموس بين الدوحة وطهران ؟؟؟
وللإجابة عن هذا السؤال، لناخذ الطرح الصادر عن الغرف الداخلية للمعارضة السورية . ففي 6 يونيو 2017 قال عضو وفد هيئة المفاوضات السورية المعارضة بمفاوضات جنيف خالد المحاميد، إن قطر مارست دورا سلبيا فى الأزمة السورية، مؤكدا أنه كان لديها أجندة مغايرة لتطلعات السوريين. وأكد المحاميد ـ فى مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” الفضائية ، أن السوريين ليسوا خارج هذا الصراع، بل فى لب الموضوع، لأن قطر لاعب رئيسي منذ البداية، ولكن دورها كان سيئا، خاصة فى الجنوب السوري.
ويعتبر تصريح المحاميد كمقدمة دعوى أخلاقية يمكن أن يستند عليها الشعب السوري في محاكمة المعارضة المرتهنة للخارج أكثر من ارتهانها لمطالب الشعب الثائر.
وسنشهد بالأيام القليلة القادمة اقتتال المعارضة السورية فيما بينها، فبين أنصار قطر وتركيا والسعودية هناك حرب مؤجلة من التهم والإثباتات حيث ستوجه تلك الشخصيات سيل اتهاماتها تجاه الطرف الآخر بعيدا عن هموم الأزمة السورية.
وقد بانت بوادر تلك الصراعات من خلال الإستقالتين اللتين تقدم بهما كل من معاذ الخطيب ومحمد الحافظ من الهيئة العليا، في إطار الضغط لفرط انعقاد الهيئة الحالية التي يترأسها رياض حجاب المدعوم من قطر ، وكدعوة مباشرة من الرياض لاولئك للقيام بتلك الأسقالة لإعادة تشكيل المعارضة على قياس رغبات الرياض وتطلعاتها.
ومما لاشك به بأن إعادة سيناريو تشكيل المعارضة لعشرات المرات يحجم صورتها على الصعيد الدولي، ويدعم موقف الأسد بأن تلك المعارضة غير مؤهلة لقيادة الدولة.
وبينما أعضاء المعارضة السورية يطلقون النار على أنفسهم يتغنى المعكسر المقابل بهذا ( النصر ) !!
حيث نقل موقع “الميادين” عن من وصفهم بـ”أوساط مقربة من وفد الهيئة العليا للمفاوضات السوري المعارض” قولهم إن الرياض بصدد تنظيم مؤتمر جديد لأطراف في المعارضة السورية في الأسبوع الأول من تموز يوليو المقبل تنوي خلاله استبعاد الشخصيات المدعومة من قطر وممثلي الإخوان المسلمين .
من أخبر المعارضين بأن المثول بين أيدي الدول العريية ( الشقيقة ) يمنحهم صفة المعارضين، وبأن المعونات الشهرية التي تصلهم من تلك الدول لقاء التحدث بما تستوجبه مصالح تلك الدول سوف يمنحهم عفوا من عقاب الشعب السوري يوما ما !!!
الأزمة السورية دخلت مرحلة مختلفة كليا عن المراحل السابقة، فالصراع على السلطة واستمالة الدول الداعمة لتوسيع حجم الرعاية من شأنه أن يجر المشهد السوري نحو المشنقة.
وفي السياق ذاته التقت قوات الجيشين العراقي والسوري عند الحدود بين التنف والبوكمال، وعلى الضفة الأخرى تقطعت أوصال المعارضة السورية في الدوحة والرياض .
فمن الطبيعي أن تعاني المعارضة السورية من الهزات الارتدادية للزلزال الخليجي الخليجي عقب إفصاح أعضائها بالتبعية المطلقة لولاة الأمر في تلك الدول التي لم تمنح شعوبها عقار الديمقراطية لتقوم بمساعدة الشعب السوري بالوصول إلى مبتغاه .
عزيزي القارىء بما أن السياسة لاتعترف بالخطوط الحمراء، إأمعانا بالشفافية، يمكن القول والفصل والجزم بأن المعارضة السورية هي من جلبت الخراب لنفسها وأن كرة الثلج التي تشكلت بارتباط المعارضة بالدول الداعمة إلى حد الطاعة العمياء ( كخروج فصائل المعارضة من مدينة حلب ، والذهاب إلى مؤتمر الأستانا والجلوس جنبا إلى جنب بجوار القتلة ) فإن تلك الكرة قد كبرت ولايمكن إيقافها .
كما أن اختلاف أجندات الدول الداعمة عبر المنظور البعيد لها قد عمقت وجذرت حالة الشقاق بين أطياف المعارضة.
وباعتقادي الشخصي لايوجد مناص أمامنا من تسليط الضوء على إمعان تلك الدول بالكذب والخداع تجاه الثورة السورية، وعلى سبيل المثال فلنأخذ دولة قطر كمثال حي على انتهاج الدوحة رؤية مواربة عن تلك التي تتبجح بها بمؤازرة الثورة السورية ..
ففي وقت سابق عبر وزير الخارجية القطري عن أستيائه من الجانب المصري الحليف الوثيق لدول الخليج لوقوفه إلى جانب الحكومة السورية: “إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تلقت حكومته مليارات الدولارات من دول الخليج لدعم اقتصاده الضعيف، قد صدمنا بدعمه لقرار روسيا في مساندة الأسد مضيفا: “بالنسبة لنا للأسف مصر تدعم النظام.. ونحن نأمل أن يتراجعوا ويقفوا معنا”، وأشار الوزير إلى أن “تقديم الدعم للأسد كأنك تدعم الإرهاب”، وقال: “لأنه إرهابي (الأسد ) وإنه على قدم المساواة مع داعش”.
كما انتقد الوزير إيران “لتدخلها” في الشؤون الداخلية للدول العربية، في حين تسارع دولة قطر الأن إلى الارتماء في الحضن الإيراني والاستنجاد بالتحالف الأستراتيجي الموقَّع بينها !!
وأخيرا وعلى أخشاب منصة إعدام الثورة السورية برعاية الدول الداعمة لها بمساعدة بعض المعارضين السوريين، أكد مكتب المبعوث الأممي ستافان دي مستورا تحديد 10تموز/يوليو المقبل موعداً لجولة “جنيف 7” .
فهل ستذهب المعارضة السورية الحالية إلى المؤتمر دون أي رادع أخلاقي، أو ستتشكل معارضة جديدة تنادي بمطالب الشعب السوري دون الالتفات إلى توجيهات وأوامر الدول الداعمة ؟؟؟