بين ألم وخوف، يترقب اللبنانيون صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الثلاثاء، في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، عبر تفجير موكبه بالعاصمة بيروت في 14 فبراير/ شباط 2005.
الألم هو نتاج معاناة اللبنانيين من تداعيات انفجار مرفأ العاصمة بيروت، في 4 أغسطس/ آب الجاري، ما خلف 178 قتيلا وأكثر من ستة آلاف جريح وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، بخسائر تتجاوز 15 مليار دولار، وفقا لتقديرات رسمية غير نهائية.
أما الخوف فمن “فتنة طائفية” أو تصعيد سياسي محتمل، ربما يعصف ببلد يعاني بالأساس – منذ أشهر – من أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخه الحديث، ومن استقطاب سياسي حاد، مع احتجاجات شعبية مستمرة منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ترفع مطالب اقتصادية وسياسية.
وبعد 12 يوما من هذه الاحتجاجات، استقالت حكومة سعد الحريري (نجل رفيق الحريري)، لتحل محلها حكومة حسان دياب، منذ 11 فبراير/ شباط الماضي، قبل أن تستقيل هي الأخرى، في 10 أغسطس الجاري، على وقع انفجار بيروت، وتتحول إلى حكومة تصريف أعمال.
وكان مقررا صدور الحكم في 7 أغسطس الجاري، لكن احتراما لعائلات ضحايا انفجار المرفأ ومراعاة لإعلان لبنان الحداد لمدة ثلاثة أيام، أجلت المحكمة إلى الثلاثاء النطق بالحكم غيابيا بحق أربعة متهمين تقول إنهم ينتمون لجماعة “حزب الله” اللبنانية.
والمحكمة الخاصة بلبنان هي محكمة جنائية ذات طابع دولي، مقرها مدينة لاهاي في هولندا، وقد اقتُرحت وأُقرت من مجلس الأمن الدولي عام 2009، للتحقيق ومحاكمة قتلة الحريري.
كل الدوافع متوفرة
القيادي في “تيار المستقبل”، النائب السابق مصطفى علوش، قال: “تيار المستقبل لجأ إلى المحكمة الدولية كخيار وبثقة مفتوحة، لذلك سننتظر الحكم وكيفية عرضه وعما إذا كانت هناك جهات أخرى سيتم التلميح لها على الأقل بالحكم، ومن بعدها يعلن التيار موقفه”.
و”تيار المستقبل” (سُني) هو حزب سياسي يترأسه رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، الذي دخل عالم السياسة عقب اغتيال والده.
وأضاف علوش أن “البعض يتخيل أن المحكمة تنتظر توقيتا معينا لتصدر حكمها، والبعض يتهمها بأنها تخطط لتكبير الإشكال (الأزمة) في لبنان، لكن عملية اغتيال الحريري حصلت، وهناك من نفذها وجهات سياسية خططت لها”.
وتابع: “المتهمون، بناء على المعطيات المادية التي ظهرت، هم من حزب الله، بالنسبة لنا هناك خمسة متهمين أصبحوا أربعة حوكموا بناء على قرائن ومعايير عالية من العدالة، وتم الدفاع عنهم بالطريقة اللازمة، وبالنهاية الحكم سيصدر”.
وكان المتهمون خمسة هم: سليم عياش، حسن مرعي، حسين عنيسي، أسد صبرا، ومصطفى بدر الدين، لكن الأخير، وهو قيادي عسكري سابق بـ”حزب الله”، قُتل في سوريا عام 2016.
وأردف علوش: “موقفنا من حزب الله واضح، كل الدوافع لاغتيال الحريري موجودة لدى حزب الله، وهو حزب مارس الإرهاب بمختلف أشكاله داخليا وخارجيا، وبينها اغتيال السياسيين”.
وحول إمكانية اتخاذ مجلس الأمن قرارات على خلفية الحكم المرتقب، أجاب بأن “هذا الأمر مرتبط بمجلس الأمن، المحكمة أُنشئت بقرار منه، وستُسلم الحكم له، وعلى المجلس أن يتصرف، سواء تجاه الحكومة اللبنانية أو مباشرة تجاه القتلة”.
أفضلية للاستقرار الداخلي
النائب بلال عبد الله، عضو تكتل “التقدمي الاشتراكي” بزعامة وليد جنبلاط، أعرب عن اعتقاده بأنه “في الجو السياسي الحالي سيكون هناك أفضلية للاستقرار الداخلي، لا أستبق كلام (سعد) الحريري، ولكن نعرف عادة في هذه الظروف كيف توضع الأولويات”.
وحيال الموقف الدولي المحتمل من الحكم المنتظر، قال عبد الله: “أعتقد أن جميع المتهمين ماتوا، لا نعرف إلى أين يمكن أن يصل الموضوع دوليا.. مجلس الأمن سيتعاطى مع الدولة اللبنانية، إلا إذا وضع القضية تحت الفصل السابع (من ميثاق الأمم المتحدة)، وأتمنى أن لا نصل إلى هنا”.
ويتيح هذا الفصل، الذي أُنشئت تحته محكمة الحريري، فرض عقوبات ثم استخدام القوة، في حال وجود تهديد للسلم والأمن الدوليين.
محكمة “سياسية”
في 2018، قال فريق الادعاء في المحكمة إن مصطفى بدر الدين، هو العقل المدبر لعملية الاغتيال، والمتهمين الباقين نفذوا العملية.
وترفض جماعة “حزب الله” (شريكة في حكومة دياب) اتهامات المحكمة، وتقول إنها لا تعترف بالمحكمة، وإنها سياسية تهدف إلى الانتقام منها وتوريط الجماعة في جريمة تقول إن إسرائيل نفذتها.
و”حزب الله” هو حليف النظام السوري وإيران، التي تعتبرها إسرائيل العدو الأول لها.
وقال أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، الجمعة، إن “القرار الذي سيصدر بالنسبة إلينا كأنه لم يصدر… هناك من سيحاول استغلال المحكمة الدولية لاستهداف المقاومة وحزب الله”.
وتنفي حكومة دياب صحة اتهامات إقليمية وغربية بأنها خاضعة لسيطرة “حزب الله”، وهو ما حرم لبنان من مساعدات مالية كانت منشودة، خاصة من الرياض وواشنطن.
التصعيد مستبعد
وتعليقا على موقف “حزب الله”، قال قاسم قصير، وهو صحفي مقرب من الجماعة: “حزب الله يعتبر المحكمة غير قائمة على أساس قانوني وعملها تتخلله إشكالات، وهي ذات أبعاد أمريكية- إسرائيلية”.
وتابع: “هناك محاولات لاستغلال قرار المحكمة لإعادة تحريك الشارع وتوتير الأجواء، لكن الوضع على الأرض لا يسمح كثيرا، لذلك قد يُستخدم قرار المحكمة دوليا في حال تم تحويله إلى مجلس الأمن لإصدار قرارات ومواقف”.
وحول موقف الحريري من قرار المحكمة، رأى قصير أن “الرئيس الحريري لا مصلحة له بأن يذهب إلى تصعيد شامل، قد يُصدر موقفا أو يتحدث بلغة قاسية، لكن لا مصلحة له بأن يذهب إلى تصعيد كبير”.
واستطرد: “وهو (الحريري) لا يستطيع أن يترك الساحة للآخرين كي لا يتم استغلال الحكم لصالحهم، لذلك سيدين وسيعتبر الموقف تاريخيا ويدعو إلى تسليم المتهمين، قد يكون لديه لغة عالية، لكن ميدانيا استبعد أن يمكنه القيام بشيء”.
عودة إلى المعادلة الوطنية
منير الربيع، صحافي ومحلل سياسي، قال إن “اغتيال الحريري كان يهدف إلى إخلال التوازن في المنطقة، وبلبنان تحديدا”.
وتابع الربيع: “يُفترض أن يشكل هذا الحكم فرصة جديدة أمام السنُة في لبنان (بزعامة سعد الحريري سياسيا) للعودة إلى المعادلة الوطنية، لإعادة تكريس تأثيرهم في هذه المعادلة، بعيدا عن التنازلات والاستثمار باللعبة الطائفية والمذهبية والانقسام لإعادة هذا التوازن”.
وأضاف: “الحكومة (الراهنة بقيادة دياب) لا تمثل السنُة، وليس لها حاضنة سنُية، وبالتالي هي حكومة مستحكم بها من قبل حزب الله وجبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر)”.
ورفض “تيار المستقبل” المشاركة في حكومة دياب.
ويذهب مراقبون إلى أن دولا إقليمية وغربية، ولاسيما الولايات المتحدة، ستحاول استغلال الحكم المرتقب للضغط من أجل تشكيل حكومة لبنانية لا يمتلك فيها “حزب الله” نفوذا واسعا يمكنه من تحديد وجهة لبنان الخارجية.
وأردف: “حزب الله يقول إنه لا يعترف بالمحكمة، وسيحاول أن لا يحدث توتير للأجواء تحت عنوان عدم حصول فتنة سنُية- شيعية”.
ومضى قائلا: “هناك تواصل بين الحزب والحريري بطريقة غير مباشرة لعدم توتير الأجواء ولعدم إعادة الانقسام العمودي بين الطرفين”.
وعن موقف الحريري المرتقب، رأى الربيع أنه “سيكون لسعد الحريري موقف تصعيدي يؤكد فيه أن قضية الحريري ليست عائلية أو طائفية، بل وطنية، وسيتمسك بضرورة تسليم المتهمين بالاغتيال، ويبنى على هذا الموقف التصعيدي مسارا سياسيا”.
نقلا عن القدس العربي