وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنفيذ الاتفاق حول إجلاء المسلحين والمدنيين من شرق حلب بأنه «أكبر عملية إنسانية في العالم المعاصر»، مؤكداً أن الخطوة الثانية هي «وقف إطلاق النار في كل أراضي سورية، وإطلاق مفاوضات سورية في أستانة» عاصمة كازاخستان.
وأشاد بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي أمس، بالدور الأساسي الذي لعبته تركيا وإيران في العملية. وقال إنه «من دون المشاركة الروسية كان من المستحيل تنفيذها». وأشار في الإطار ذاته، إلى ما وصفها «الإرادة الطيبة» من جانب الرئيس السوري بشار الأسد. وزاد أن «الحديث يدور عن إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من حلب. وأريد أن أشدد على أن ذلك يعد أكبر عملية إنسانية دولية في العالم المعاصر»، لافتاً إلى أن «الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان) والقيادة الإيرانية، لعبا دوراً هائلاً في تسوية الوضع حول حلب، علماً أن هذه العملية كانت مرتبطة بعمليات المبادلة ورفع الحصار عن عدد من البلدات التي تقطنها أغلبيات شيعية». وأكد استعداد روسيا لتطوير «الصيغة الثلاثية» لتسوية الأزمة في سورية، بضم دول أخرى «يجب أخذ مصالحها بعين الاعتبار وضمان مشاركتها»، مشيرا الى الأردن والسعودية ومصر، وزاد: «لا تمكن تسوية مثل هذه المسائل من دون دور للولايات المتحدة».
وشدد بوتين على أن «الخطوة اللاحقة للجهود على الاتجاه السوري يجب أن تتعلق بعقد اتفاقية وقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية، لتبدأ بعد ذلك مباشرة، مفاوضات حول التسوية السياسية»، موضحاً أن موسكو «اقترحت العاصمة الكازاخية أستانا كمنصة محايدة لإجراء المفاوضات، ويوافق على هذا الاقتراح الرئيسان التركي والإيراني، وكذلك الأسد. ووافق الرئيس (الكازاخستاني نورسلطان) نزارباييف على تقديم مثل هذه المنصة». وأكد بوتين أن روسيا «ستواصل العمل من أجل نشر الثقة والمصالحة بهدف التوصل إلى سلام في سورية وتحقيق مصالحة كاملة بين أطراف النزاع».
وكان بوتين استبق المؤتمر الصحافي أمس، بعقد لقاء مطول مع وزير الدفاع سيرغي شويغو الذي قدم تقريراً تفصيلياً للرئيس عن سير عملية إجلاء مدينة حلب. وأعلن بوتين خلال اللقاء أن إنجاز «تحرير حلب» و «طرد المتطرفين» منها تم بـ «مشاركة حاسمة من جانب العسكريين الروس، وهذه العملية تضع أساساً للتطبيع الكامل للوضع في سورية وفي المنطقة بشكل عام».
وشدد على أن العمل الخاص بالتوصل إلى التسوية والمصالحة الكاملة في سورية سوف «يستمر بمشاركة كل الأطراف المعنية بما في ذلك القيادة السورية وإيران وتركيا والدول الأخرى في المنطقة. ولا بد من بذل كل الجهود لوقف القتال في كل سورية».
وقال: «فتحت عملية حلب الطريق للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار كامل في سورية، وتم توفير كل الظروف اللازمة في هذا الاتجاه». وأضاف شويغو أن «عملية تحرير حلب جرت على مرحلتين وبتعاون وثيق مع الزملاء من تركيا وإيران»، مشيرا إلى أن نحو 108 آلاف شخص تم إجلاءهم في إطار العملية. وأكد شويغو أنه «تم خلال المرحلة الأولى، تحرير 115 حياً ومنطقة في حلب تمتد على مساحة 82 كم مربعاً. وتم فتح 7 معابر إنسانية».
واشتملت المرحلة الثانية على «تحرير القسم الجنوبي من حلب وتم وقف إطلاق النار لضمان تنفيذ عملية إنسانية كبيرة تلخصت في نقل العناصر المتطرفة وأفراد عائلاتهم من حلب». وقال انه تم «إخراج حوالى 34 ألف شخص، منهم نحو 31 ألفاً نقلوا إلى إدلب، وبينهم 701 جريح. واللافت أن الوزير الروسي اعتبر كل من نقل إلى إدلب «متشددين»، إذ قال في تقريره إنه «تم إجلاء المتشددين إلى إدلب مع أفراد عائلاتهم وهم 14891 مسلحاً و7606 امرأة و8787 طفلاً». واعتبر أن «العملية الإنساننية انتهت» و «العمل يجري بشكل فعال في مجال إعادة السكان المدنيين إلى ديارهم في حلب ويقوم المختصون السوريون والروس بإصلاح وإعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء».
كتيبة في حلب
واعلن وزير الدفاع الروسي عن «نشر كتيبة من الشرطة العسكرية في المناطق المحررة من حلب للمحافظة على الأمن والنظام». وأشار إلى أن «المنظمات الإنسانية لا تبدو مستعجلة للعمل في حلب على الرغم من توافر كل الظروف اللازمة لدخول القوافل الإنسانية».
بالتزامن، أعلن الكرملين أمس، أن بوتين أمر بالتوقيع على بروتوكول إضافي على اتفاقية نشر القوات الروسية في سورية، يمنح امتيازات إضافية للعسكريين الروس.
ونشر الموقع الإلكتروني للكرملين الوثيقة التي جاء فيها: «تنظم أحكام البروتوكول مسائل نشر المجموعة الجوية للقوات المسلحة الروسية وممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة في أراضي الجمهورية العربية السورية، وكذلك المسائل المتعلقة بتأمين عملها».
بالإضافة إلى ذلك، فإن البروتوكول الإضافي يحدد امتيازات أفراد المجموعة الجوية وأعضاء أسرهم، ويشير إلى نشاط الأجهزة الأمنية المختصة للجانب الروسي.
وكلف بوتين وزارة الدفاع بإجراء محادثات بمشاركة وزارة الخارجية الروسية مع الجانب السوري وبالتوقيع نيابة عن الاتحاد الروسي على البروتوكول الإضافي بعد التوصل إلى اتفاق نهائي .
كما أمر بوتين بتوقيع اتفاقية مع سورية حول توسيع القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.
وجاء في الوثيقة، التي نشرت أيضاً على موقع الكرملين، أن بوتين وقع أمراً بشأن توقيع اتفاقية بين الاتحاد الروسي والجمهورية العربية السورية لتوسيع مساحة التأمين التقني المادي التابعة للأسطول البحري الحربي الروسي في منطقة ميناء طرطوس وتنظيم مسائل تطوير وتحديث بنيتها التحتية ونظام دخول السفن الحربية الروسية إلى المياه الإقليمية والموانئ السورية».
وتضمنت الاتفاقية الجديدة حقوق العسكريين الروس وامتيازاتهم في القاعدة البحرية مع أفراد عائلاتهم.
أستانة
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها لا تتوقع مشاركة الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة في الاجتماع السوري- السوري المتوقع عقده في كازاخستان الشهر المقبل.
وقال غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي، إن «وفد الحكومة وممثلي المعارضة سيشاركون في الاجتماع في أستانة، مشيراً إلى أن «وفد المعارضة على الأرجح سيمثل القوى الموجودة على الأرض ، أما «الهيئة العليا» فهي معارضة خارجية».
وأوضح غاتيلوف أن وفد المعارضة سيشمل كذلك وحدات المعارضة المسلحة باستثناء «جبهة النصرة» و «داعش»، إضافة إلى المعارضة «المعتدلة» والأكراد. وقال إن اجتماع أستانة سيركز على المسائل المتعلقة بفرض نظام وقف إطلاق النار في كل أراضي سورية، مشيراً إلى أن بيان روسيا وتركيا وإيران ينص على استعداد الدول الثلاث للمساعدة في إعداد اتفاق بهذا الشأن وتقديم ضمانات للاتفاق المستقبلي بين الحكومة السورية والمعارضة.
وأكد الديبلوماسي الروسي أن اجتماع أستانة ليس بديلاً من مسار جنيف، و «ننطلق من أن ذلك يمثل تكملة لجنيف». وقال غاتيلوف في الوقت ذاته، إنه يجب توجيه دعوة إلى الهيئة العليا للمفاوضات للمشاركة في المفاوضات السورية بجنيف، لأن وفد المعارضة يجب أن يمثل القوى المؤثرة كافة، مشيراً إلى استعداد موسكو للمشاركة في المفاوضات التي دعا إليها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، أو حتى «في موعد أقرب»، مضيفاً أن ذلك يتفق مع موقف روسيا الداعي إلى عقد المفاوضات في أسرع وقت ممكن.
الحياة