علّقت على الكلام الايجابي عن تركيا للمسؤول المهم نفسه الذي يُتابع أوضاعها وسياساتها في “الإدارة” المهمّة الثالثة داخل الإدارة الأميركيّة، قلتُ: لماذا لم يتفاهم أردوغان مع “حزب الشعب الديموقراطي” بزعامة الكردي دميرطاش لتحويل النظام في بلاده رئاسيّاً في مقابل متابعة العمل لتسوية مشكلة أكرادها؟ ردّ: “لا أحد ينكر أن أردوغان، وبسبب شخصيّته وطموحاته، قد يكون تسبَّب بمشكلات عدّة. لكن لا ننسى أن دميرطاش الذي عُقدت عليه آمال كثيرة تصرّف على نحو خاطئ. زار موسكو، وحصل اتصال بينه وبين “حزب العمال الكردستاني” التركي المتمرِّد عسكريّاً على الدولة. الأكراد استأنفوا العمل العسكري، وحزبهم هذا منظمة إرهابيّة وهو موضوع على لائحة الارهاب عندنا. ونحن ضد الارهاب. وأظهر حزب دميرطاش نوعاً من التعاطف معهم. علماً أن أميركا يجب أن لا تنسى أن هناك حقوقاً اكتسبها الأكراد في تركيا وهذا حقّهم. وكان يفترض أن تمنحهم المفاوضات مع الحكومة لو استمرّت حقوقاً أخرى. لكنّهم هم الذين خرقوا الهدنة العسكريّة وعادوا إلى القتال”. علّقتُ: أنا معك. أخذوا حقوقاً وكان يمكن أن يأخذوا حقوقاً أكثر. لكن الأتراك كلّهم غير مستعدّين لإعطائهم حكماً ذاتياً. كل شيء يمكن البحث فيه بإستثناء الحكم الذاتي. ثم سألتُ: ماذا عن الإتصالات التي يتردّد في واشنطن وخارجها أنها قائمة بين تركيا والسعوديّة وقطر من جهة و”داعش” من جهة أخرى؟ وهل أخبار الدعم الذي يتلقّاه هذا التنظيم منها صحيحة؟ أجاب: “الشائعات كثيرة، لكن ليجلب لنا أحد دليلاً حسّياً على مساعدة تركيا “داعش” سواء بتهريب السلاح إلى مقاتليه أو بتدريبهم حتى نقتنع ونتصرّف. لا أحد ينفي احتمال أن يكون هناك اتصال ما بين ضابط مخابرات تركي و”داعش” أو بعضها. لكن ذلك لا يمكن تعميمه. في أي حال “داعش” يستهدف تركيا مباشرة الآن، وبسبب عملياته الارهابيّة يسقط قتلى وجرحى. وهي تقاتله كما سنقاتله معها”. سألتُ: ماذا عن فتح الله غولن و”حركة حزمت” التي أسّس ويتزعّم؟ كانت حليفة لأردوغان. وهما متعاديان الآن. هل تصدّق كل ما يقوله أردوغان وحكومته وحزبه عن مؤامرات حاكها ضده ولا يزال يحيكها غولن؟ وغولن كما تعرف مقيم في بلادكم. أجاب: “هدّد أردوغان بتقديم طلب استرداد غولن إلينا. لكنه لم يفعل رغم مرور وقت طويل على تهديده هذا لماذا؟ ربما لأنه لا يمتلك أدلّة حسّية وقانونيّة تؤكّد اتهاماته وتجعلنا نقبل تسليمه إلى أنقرة لتحاكمه. غولن كان حليفاً لأردوغان، وصار منافساً له. وطبعاً يستعمل أردوغان السلطة وقوّتها وأجهزتها ضدّه. لكن رغم ذلك لا يمكن اعتبار الديموقراطيّة في تركيا مهدّدة وكذلك الحرية الصحافيّة والإعلاميّة عموماً والحريّات على أنواعها. ولا أحد يستطيع أن يساعد الأتراك في المحافظة على ذلك إلاّ هم أنفسهم. وهم يعرفون ذلك ويمارسونه”. ماذا عن تركيا وروسيا؟ سألتُ. وهل يمكن أن تذهبا إلى صدام عسكري مباشر؟ التوتّر بينهما خسّر تركيا إذ عاقبتها روسيا. أجاب: “صحيح. لكن روسيا خسّرت نفسها أيضاً بذلك. الأتراك قالوا أكثر من مرّة أنهم لن يقبلوا مسّ سيادتهم واختراق أجوائهم، وأبلغوا إلى الروس ذلك مرّات عدّة. لكن هؤلاء لم يسمعوا أو تجاهلوا، فأسقطت تركيا طائرة حربيّة روسيّة لدى اختراقها المجال الجوي التركي. توتّر الجو واتّخذ بوتين قرارات عقابيّة في حق تركيا. لكن أستبعد أن يصل البلدان إلى حد التقاتل المباشر. فبوتين ذكي ومحنّك واستراتيجي له أهدافه ويعمل على تحقيقها. لكنه لا يغامر بأمر أو موقف أو قرار قد يكلّفه كثيراً. علماً أن موقفه خسّر بلاده أيضاً. لكن هذا أمر لا يهم بوتين كثيراً لأن شعب روسيا مستعد دائماً للتضحية من أجل عظمة دولته وخصوصاً اذا تعلّق الأمر برئيسها. بوتين هو خريج الـ”كي. جي. بي” والاتحاد السوفياتي”. سألت: هل يحمي حلف شمال الأطلسي تركيا إذا تعرّضت لهجوم عسكري روسي؟ أجاب: “استبعد أن تقدم روسيا على ذلك، وأن تستفز تركيا روسيا فتندم. في أي حال هناك طائرات أميركيّة وألمانيّة وفرنسيّة تابعة للحلف. وهي ستكون جاهزة للدفاع عن تركيا عند الحاجة. تركيا قوّة عسكريّة واقتصاديّة وإقليميّة مهمّة. نبعت أهميتها في السابق من كونها محاذية للاتحاد السوفياتي وضرورية لحماية الغرب. أما الآن فتنبع الحاجة إليها من كونها دولة إقليميّة كبرى وقويّة عسكريّاً واقتصاديّاً وديموقراطيّاً أو هكذا يجب أن تصبح”.
ماذا في جعبة مسؤول مهم يُتابع أحوال المغرب العربي في “الإدارة” المهمّة الثالثة داخل الإدارة الأميركية؟
النهار