بدأ الليبيون يحصون ثمن عام من الحصار على العاصمة طرابلس وسط توقف تصدير النفط واقتصاد متدهور. ورأى موقع “بلومبيرغ نيوز” في تقرير أعده محمد عبد السميع أن سكان العاصمة الذين هربوا من بيوتهم قرب خطوط القتال عادوا ليكتشفوا حجم الدمار والنهب الذي قامت به قوات حفتر حتى للممتلكات الشخصية وصور العائلة.
وهو ما اكتشفته زهرة الفيتوري التي تجولت بصمت داخل بيتها القديم القريب من جبهة القتال، حيث التقطت الأشياء الساقطة وداست على الملابس التي غطاها الغبار. وبعد عام من مغادرة بيتها عادت المدرّسة لتجد البيت وقد نهب، ولكنه في حال أحسن من بيوت الجيران التي بدت شبه مدمرة، وكذا الشوارع الأخرى التي سيطر عليها المقاتلون الموالون للقائد العسكري خليفة حفتر.
وفتحت زهرة النافذة لتهوية المنزل من الرائحة العفنة بسبب الطعام الذي تعفن في البراد وبعد أشهر من انقطاع التيار الكهربائي عن الأحياء الجنوبية. وتقول إن الناهبين فتّشوا في كل الأشياء التي لم أفتحها من سنين طويلة بما فيها هذه، مشيرة إلى كومة من الصور العائلية القديمة. وتقول إن العودة إلى البيت لم تكن سهلة ولن تعود الحياة إلى طبيعتها إلا بعد فترة.
فقد تم الانتصار في معركة طرابلس وتخلى حفتر عن حصار استمر 430 يوما للعاصمة، بشكل عزز من موقف وقوة حكومة فائز السراج المعترف بها، إلا أن الحرب لم تنته وهناك مخاوف من تحول ليبيا العضو في نادي الدول المنتجة والمصدرة للنفط إلى سوريا جديدة، بشكل يفتح الباب أمام موجة من المهاجرين والمتشددين إلى أوروبا.
وتقدر وزارة الحكم المحلي أن هناك 125.000 بيت تضررت في جنوب العاصمة والتي تمركزت فيها قوات حفتر لعدة أشهر. وأجبر القتال حوالي 85 ألف عائلة أو نصف مليون شخص على الهروب من منازلهم. وجرّت الحرب القوى الأجنبية، دعمت فيها روسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر حفتر، فيما وقفت تركيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني.
واعتمد الطرفان على المرتزقة السوريين، بشكل تشابكت فيه المظالم المحلية بالإقليمية مما سيعقد الجهود لتسوية سلمية. وحاولت الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التأكيد على الحل السلمي لكنها لم تنجح بفرض حظر تصدير السلاح إلى بلد فيه أكبر مخزون من الذخيرة الواقعة خارج السيطرة.
وانخفض إنتاج النفط الليبي إلى أقل من مليون برميل في اليوم منذ إغلاق حفتر موانئ النفط في كانون الثاني/ يناير لزيادة الضغط على حكومة السراج. وتعود موارد النفط إلى الشركة الوطنية التي توزعها على الجانبين. إلا أن حفتر يريد حصة أكبر لمنطقة الشرق التي يقاتل نيابة عنها. وتم إحباط محاولاته لتصدير النفط بشكل مستقل عن شركة النفط الوطنية إلا أن إغلاقه الموانئ النفطية أثّر على تدفق النفط الليبي للأسواق العالمية وحرم البلاد من مصدرها الرئيسي للثروة.
وقبل عام كان سعر الدولار بالدينار الليبي في السوق السوداء هو 4.5 دينار، أما اليوم فهو 5.5 دينار للدولار. وبالنسبة للفيتوري التي شهدت اقتتالا بين الفصائل المسلحة منذ الحملة التي قادها حلف الناتو ضد معمر القذافي عام 2011 فالمستقبل يظل غامضا.
وفي مقال مشترك نشره موقع معهد بروكينغز، حذر كل من عماد بادي ورانج علاء الدين من سيناريو “حرب واسعة” في ليبيا، قالا إن استمرار تدخل اللاعبين الخارجيين في المجال الليبي سيحوله إلى فضاء يشبه سوريا و”إن بقي اللاعبون الدوليون يتدخلون في ليبيا فيمكن للمشهد أن يشبه سوريا، مع سنوات من تدفق الأسلحة وسرعة انتشار المرتزقة الخارجيين. وإن خف أو توقف الدعم الدولي للاعبين الليبيين فسوف تبرز المظالم المحلية وتتصدر المشهد على شكل عنف. ويتحول تشرذم التحالفات على شكل حروب استنزاف محلية، وسيمزق المزيد من تدويل الصراع في ليبيا النسيج الاجتماعي ويقود إلى نزوح مئات الآلاف وموت أعداد غير محصورة”.
وعندما عاد طلال النيلي الذي هرب من بلدة الزاوية القريبة إلى ورشة تصليح السيارات بمشروع الحدبة. ولم يجد فيها أي شيء سوى آثار الرصاص على قفل الباب. ويمكنه الحصول على قرض من البنك ليعيد فتح عمله لكنه لا يرى جدوى في المحاولة. وأغلقت المطاعم والمحلات في المنطقة وكذا فروع المصارف وكلما تغيرت خطوط القتال كلما توسعت دائرة الدمار.
ومنذ تراجع قوات حفتر نهاية الشهر الماضي عاد الناس إلى بيوتهم التي تحولت أنقاضا فيما فقد البعض طريقه في الشوارع التي اختفت معالمها بسبب القصف ومعارك الشوارع.
وكان حفتر على مسافة قصيرة من السيطرة على طرابلس بمساعدة من المرتزقة الروس، بعدما سيطر على مناطق الجنوب ذات الكثافة السكانية القليلة وحقول النفط فيها. إلا أن التدخل التركي حرف ميزان الحرب لصالح حكومة الوفاق.
واضطر حفتر للانسحاب حتى مدينة سرت التي تعد بوابة الهلال النفطي والمركز للمعركة القادم على أكبر احتمال. واضطر لقبول المبادرة المصرية وهو الذي طالما سخر من المبادرات السياسية، إلا أن حكومة الوفاق وتركيا رفضتا المبادرة وتعهدتا بمواصلة العملية إلى مناطق أبعد.
لكل هذا، فلا منظور لاستئناف عمليات تصدير النفط بشكل كامل، مما سيؤخر عمليات إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية. ويضاف الدمار الذي خلفه حفتر إلى قائمة المشاكل من الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وتأخر رواتب الموظفين المدنيين والأساتذة والأطباء وانقطاع المياه.
ويضاف إلى ذلك أيضا حقول الألغام التي خلفتها قوات حفتر، إلى جانب القنابل غير المنفجرة والتي قتلت حتى الآن 39 شخصا وجرحت 71 آخرين.
نقلا عن القدس العربي