قد تفلت إيران من قبضة العقوبات الغربية، ولكن واحدة من أكبر الجماعات المتشددة التي تمولها تدفع الثمن.
فمع تزايد عدد ضحايا حزب الله في المعركة في سوريا، يوجه القانون الأمريكي ،الذي صدر في شهر ديسمبر والذي يمنع البنوك من التعامل مع الجماعة الشيعية، ضربة قوية لشبكتها الواسعة من الخدمات الاجتماعية في لبنان كما لم يحدث من قبل.
ويهدف القانون إلى منع حزب الله من حصاد أية فوائد مالية في أعقاب ابرام الاتفاق النووي مع ايران في العام الماضي. ويتم تجميد حسابات الممرضات والأطباء والإداريين والمعلمين في النظام المصرفي للبنوك، بينما تغلق البنوك حسابات المستشفيات وشركات الإعلام والجمعيات الخيرية المرتبط بحزب الله.
وتعتبر هذه الخدمات مسألة ضرورية بالنسبة لشعبية حزب الله في الوقت الذي ينخرط فيه التنظيم في الصراع السوري كجزء من التحالف مع إيران وروسيا والرئيس بشار الأسد. وفي حين تحولت دفة الحرب لصالح النظام، إلا أن المئات من مقاتلي حزب الله، بالإضافة إلى عدد من كبار قادته، قد لقوا حتفهم.
ويقول بلال صعب، باحث رفيع المستوى في أمن الشرق الأوسط في معهد أتلانك كاونسيل بواشنطن، “هذه هي الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة لحزب الله منذ ميلاده. انهم الآن في مرحلة الانتقال من لاعب محلي إلى قوة إقليمية، ونتائج هذا التحول غير مؤكدة تماما بالنسبة لهم. فهل يمكنهم النجاح في مثل هذا الأمر؟”.
تفجير بيروت
تم تطبيق القانون الأمريكي من قبل مصرف لبنان المركزي في الشهر الماضي، مما أدى إلى خلاف عام نادر بين حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وحزب الله. ويقول أحد مصرفيي ميريل لينش السابقين إن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان استقرار البنوك، وهي العمود الفقري للاقتصاد المتعثر في البلد الأكثر مديونية في العالم العربي. وصرح لقناة CNBC في الأسبوع الماضي بأنه قد تم إغلاق مائة حساب.
وفي يوم 9 يونيو، وصف حزب الله موقف رياض سلامة بأنه “غامض ومشبوه” وبأن الحزب “يرفض هذا الموقف بالكلية”.
وقد تصاعدت التوترات بشكل أكبر هذا الأسبوع عندما انفجرت قنبلة في بنك لبنان والمهجر، أحد أكبر البنوك في البلاد، مما اثار تكهنات بأن هذا التفجير مرتبط بتطبيق القانون الأمريكي. ولم يعلن أحد مسؤوليته عن التفجير. وقد رفض حسن فضل الله، أحد نواب حزب الله في البرلمان، التعليق على القانون، بينما لم يستجب اثنان من أعضاء البرلمان الآخرين.
تدمير شبكات حزب الله
يعتبر حزب الله ،الذي تأسس في العام 1982 لمحاربة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.
وصرح آدم زوبين ،وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أمام لجنة في الكونجرس في 25 مايو قائلا إن القانون “يمنحنا المزيد من الأدوات في حملتنا لتدمير الشبكات المالية لحزب الله”. وأضاف إن “الجماعة تواجه أسوأ حالة مالية لها منذ عقود. ويمكنني أن أؤكد لكم أننا نعمل بجد جنبا إلى جنب مع شركائنا الدوليين من أجل القضاء عليها”.
وتخدم شبكات حزب الله المناطق الفقيرة بشكل أساسي، بما في ذلك ثلاثة مستشفيات و 12 مركزا صحيا بالإضافة 20 مستوصفا، وذلك بحسب دراسة تم إجراؤها في العام 2009 ونشرها مجلس سياسة الشرق الأوسط. وتشارك أحد شركات حزب الله ،شركة جهاد البناء، في جهود إعادة بناء المناطق التي تضررت جراء الغارات الإسرائيلية أو الهجمات الأخيرة المرتبطة بالحرب السورية. ومن الصعب معرفة أرصدة الحزب بشكل دقيق.
ويتم دفع الرواتب الآن نقدا. ويواجه مستلمو الرواتب، بما فيهم من يتعاملون في خدمات الرهن العقاري والقروض، خطر الاستبعاد من التعامل مع النظام المصرفي اللبناني.
وقف التعامل
عندما تقدم أحد الأطباء بطلب للحصول على رهن عقاري في بنك بيروت مؤخرا، تم إلغاء طلبه لأن معظم دخله جاء من مستشفى مرتبطة بحزب الله. وقال المصرفي الذي كان مسؤولا عن طلبه إن البنك كان يتصرف وفقا للقانون. وقد رفض الطبيب ذكر اسمه نظرا لحساسية الموقف.
وقد قرر بلال سعادة (48 عاما) وهو أستاذ جامعي عدم فتح حساب في أحد البنوك المملوكة للشيعة والذي يقدم أسعار فائدة مرتفعة على الودائع قائلا “لا أريد المخاطرة”. وقال إن القانون يعزز رسالة حزب الله بأن الشيعة يتعرضون لهجوم.
وقد أثار القانون الأمريكي مخاوف في بيروت هذا العام بسبب تأثيره المحتمل على القطاع المصرفي. بينما ذهبت وفود من البرلمان والبنك المركزي اللبناني الى واشنطن لاجراء محادثات مع مسؤولين أمريكيين في وقت سابق من هذا العام، في حين زار دانيال جلاسر ،مساعد وزير الخزانة الأمريكى، لبنان في الشهر الماضي.
بينما قال مارك ميدوز ، عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا وعضو ائتلاف الحرية المحافظ الذي شارك في دعم مشروع القانون، في مقابلة له إنه اجتمع مرتين مع عدد قليل من المصرفيين وأجرى تعديلات على اقتراحه. وقال “لقد تأكدنا من أنهم يعرفون أننا في طريقنا لملاحقة التنظيم الشرير”.
عاصمة المقاومة
وفي الخلفية، سوف تعمل إيران على التأكد من أن حزب الله يمكنه التعامل مع القانون الأمريكي، بحسب محمد ماراندي، أستاذ مشارك في جامعة طهران. وأضاف إن “المؤسسة الوحيدة التي قد تتأثر هي المستشفيات التي تقع في قلب بيروت، ويوضح ذلك أن الأمريكان ليس لديهم حرج عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأبرياء”.
بينما تعاني قاعدة حزب الله الشيعية اللبنانية، التي نادرا ما تحدت قراراته، من الارتباك بسبب ما يعانيه الاقتصاد اللبناني بعد تدفق أكثر من مليون لاجئ من سوريا إلى لبنان.
“لقد أدت الحرب في سوريا إلى نسيان حزب الله لمشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية ” وهذا ما أقر به المحاسب محمد بازي (34 عاما) في مقابلة له في بلدة بنت جبيل الجنوبية، التي ترحب بزوارها كـ”عاصمة المقاومة والتحرير”. وأضاف محمد “لقد دعمت مقاومة حزب الله ضد إسرائيل، ولكن الحزب قد أثبت فشلا ذريعا على الصعيد السياسي”
عزل الحزب
وقد اجتاز التنظيم بقيادة السيد حسن نصر الله الضغط الدولي منذ التسعينات. وفي خطاب له في شهر مايو لتأبين أحد كبار القادة العسكريين الذين قتلوا في سوريا، اعترف بأن حزب الله قد يكون على مفترق طرق، ولكنه قال إن الحزب سوف تكون له الغلبة في نهاية المطاف.
وقال جوناثان تشانزر ،محلل تمويل الإرهاب السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، في حين أن القانون الذي صدر مؤخرا لن يؤدي إلى زوال حزب الله، إلا أنه يصعب من عمله كثيرا. وأضاف تشانزر ،نائب رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، “هناك إمكانية لشعور حزب الله حقا بالاغتراب. ليس فقط بين الجهات الطائفية الأخرى الموجودة في لبنان، ولكن أيضا بين صفوف القاعدة الشيعية الداعمة له
بلومبرغ – إيوان24