نعم لقد عادت مدينة حلب إلى حصارها مرةً أخرى, عادت مدينة مكبَّلة حزينة تنتظر من يفك أسرها من جديد, حصار حلب الجديد ليس كأي خبر عابر, بل هو كارثة حقيقية, فهي حلب بوزنها وحجمها الثوري العظيم, وأهميتها الجغرافية والسياسية والإستراتيجية الكبيرة, هي عاصمة الشمال وعاصمة الاقتصاد ومركز أساسي وحيوي لأكبر تجمع بشري في سورية.
لن ينفع الحزن والكلام والتباكي على أعتاب هزيمة حصلت في عشية وضحاها, بل يجب علينا أن نستجمع أفكارنا مرةً أخرى لبحث السبل الجادة لإيجاد حلٍ عاجلٍ ينقذ أهلنا المحاصرين في الداخل وتحديدا في أحياء حلب الشرقية.
بعيداً عن الأسباب والمسببات التي أدت إلى خسارة النقاط والمواقع الهامة في ريف حلب الجنوبي-الغربي وأهمها تجمع الكليات لصالح قوات النظام والمليشيات الأجنبية الداعمة له, بعد أن قدم الثوار مئات الشهداء في معركة “ملحمة حلب الكبرى”.
بعيداً عن الالتباس الكبير والأخبار التي تواترت تباعا بين هنا وهناك عن انسحاب أعداد كبيرة من المقاتلين التابعين لعدة فصائل من مواقع رباطهم على الخطوط الأولى والمتقدمة من الجبهة الجنوبية في حلب.
بعيداً عن دور الإعلام الذي حرف البوصلة فجأةً إلى معركة الشمال “درع الفرات” في جرابلس, وساهم بشكل كبير في “تقزيم” الدور الكبير لملحمة حلب الكبرى, وإفراغها من محتواها وضرب مكاسبها ومنجزاتها.
بعيداً عن التجاذبات والتفاهمات الدولية الجديدة بين موسكو وواشنطن, واتفاقهم الجديد الذي تسرب إلى وسائل الإعلام عن نيتهم المبيتة بجعل حلب ضحيةً لمتاجرات ومهاترات سياسية تصب في ميزان مصالح مشاريع الدول الإقليمية والدولية في سورية.
بعيدا عن المصلحة التركية العليا في حماية حدودها الجنوبية مع سورية من خصومها التاريخيين, والتخلي بشكل واضح عن دعم حماية حدود حلب, لتسيطر عليها المليشيات الطائفية التي ما انفكت يوما عن القدوم والتجمع في مطار حلب غير البعيد عن حدود الدولة التركية.
بعيداً عن كل شيء, علينا ألّا ننسى تلك التضحيات الجسام التي قدمها أبناء حلب وأبناء سورية في فك الحصار وكسر القيود عن أهلنا في حلب, علينا أن نعيد النظر في حساباتنا “العمياء” التي انحرفت بالنظر بعيداً عن مشارف حلب, علينا أن نتدارك الموقف المحرج بإطلاق حملة “شعبية” جديدة تعرِّي كل من كذب وادّعى أنه في صف أهل حلب, علينا أن نحاسب أنفسنا ومصالحنا وأهدفنا الشخصية والجماعية الضيقة في استغلال قضية حلب.
محاولات كبيرة ومتعددة لقوات النظام ومليشياته بدأت من اليوم الأول بعد إيقاف معركة حلب, كانت تهدف لإعادة السيطرة على جميع المواقع التي خسروها في حلب, وانتهت أخيرا بالنجاح في تحقيق مرادهم من حصار حلب.
لم تسعفنا الدعوات والنداءات التي أطلقناها للتنويه إلى خطورة تلك المحاولات, وتساءلنا كثيرا:
هل الاكتفاء بفك الحصار عن حلب يكفي؟, هل اختزلنا جلّ انتصاراتنا بمعركة لفك الحصار وفتح معبر للمدنيين بعد خمس سنوات من عمر الثورة يكفي؟!.
الإجابة جلية وواضحة: بالتأكيد لا.
الملحمة الكبرى في حلب توقفت ولأسباب عديدة وكثيرة جدا لسنا في صدد أن نبحثها ونناقشها, والحقيقة المرَّة أن حلب حوصرت من جديد, ما يسعنا الآن قوله, أن معركة حلب هي معركة “كسر العظم”, لما تحمله من دلالات كبيرة, وهي معركة سورية الحرة ويجب ألّا تتوقف مهما كانت الأسباب, وكما ذكرنا سابقا, لا مكان للندب والحزن في ثورتنا ولا حتى في معاركنا, والحرب شئنا أم أبينا هي كرٌ وفر,,,, وحلب لن تحاصر بإذن الله.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.