مع ارتفاع وتيرة الحرب السورية وصعوبة إيجاد حل سياسي لإيقاف شلال الدماء، عمد النظام إلى إتباع سياسة الأرض المحروقة لإخماد صوت الشعب الناطق بالحرية مستغلاً الصمت الدولي ومحاولاً تركيع الحاضنة الشعبية التي احتوت الثائرين المطالبين بالحرية من ظلم هذا النظام.
في المقابل، أنهك الجوع والعطش آلاف السوريين نتيجة الحصار المطبق على القرى والبلدات الثائرة، ليدفع سكانها أثماناً باهظة، فكانت الهدن والاتفاقيات هي السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة وكانت بدايتها من حي الوعر آخر الأحياء التي يسيطر عليها الثوار في مدينة حمص
يقول محمد الحمصي :” بعد الحملة العسكرية الضخمة التي انتهجها النظام وكانت نتائجها خسارة الثوار للعديد من المناطق الهامة مثل أحياء بابا عمرو والخالدية والبياضة، ومدينة القصير غرباً، ولكن حي الوعر امتاز بشجاعته رغم الحصار والقصف الذل لا يهدأ أبداً، ولكن في النهاية اضطر القادة العسكريون للدخول في هدنة مع النظام ليس ضعفاً وإنما بسبب الكارثة الإنسانية التي تحصل هناك”.
وبعد عقد الهدنة دخلت يوم أمس الدفعة الأولى من القافلة الإغاثية إلى الحي برفقة مراقبين من مفوضية الأمم المتحدة، يقول الناشط يعرب الدالي :”لقد تم إدخال المساعدات عن طريق فرق الهلال الأحمر، وأن المساعدات ضمت 18 شاحنة تحمل نحو 5 آلاف سلة غذائية و 10 آلاف سلة طبية”. وقد سبق دخول المساعدات الإنسانية اجتماع يضم ممثلين عن النظام السوري ووجهاء من حي الوعر من أجل الوصول إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار المفروض والسماح بدخول قوافل المساعدات الإنسانية بشكل دائم.
يقول أحد السكان :” بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ بدأت الحياة تعود للحي بعد أن ظن الكثيرون أن النهاية قد اقتربت، ولكن الغريب أن مئات الصور التي تخرج من الحي تظهر أطفالا يعانون من المرض أو الجوع وقد تحولت أجسادهم إلى عظام رقيقة لم تحرّك ضمائر العالم، وإنما كانت سياسة الإخضاع هي الوحيدة المسيطرة على الأزمة”.
لم تكن الهدنة في حي الوعر هي نهاية الهُدن، بل أصبحت وسيلة للنظام السوري يستطيع من خلالها فرض سيطرته على الأحياء والقرى المستعصية على قواته، ففي جنوب العاصمة دمشق يشهد حي “القدم” منذ عامين اشتباكات عنيفة بين تنظيم الدولة وقوات النظام، ولكن في كل مرة يلجأ النظام إلى سياسة التجويع والقصف العنيف لإجبار سكانها على الخضوع له. ويشهد الحي حالياً عقد هدنة بين النظام وعناصر التنظيم برعاية أممية وعن طرق الهلال الأحمر السوري، حيث يقول سامر وهو عضو في فريق الهلال الأحمر: ” لقد عقد الطرفان الهدنة وقبلا بها نتيجة عدم تمكن الطرفين من حسم المعركة، وسيتم إخراج عناصر التنظيم عن طريق (حافلات نقل خاصة) ليتم نقلهم إلى أكبر معاقلهم في شرق البلاد وهو مدينة الرقة”.
وتشير التقارير الواردة من الحي أن من بين عناصر التنظيم الخارجين من الحي “لواء العز بن عبد السلام” والمتواجد حالياً في حي التضامن، وأن مدة الهدنة شهر واحد، فيما بدأ العديد من عناصر التنظيم بتجهيز أمتعتهم للخروج من الحي.
تعتبر الهدن التي انتشرت مؤخراً تطوراً جديداً في مسار الأزمة السورية وتعقيداتها الكبيرة، لكن هذه الهدن جاءت كنتيجة حتمية لضرورة الاستجابة للمطالب الشعبية للسكان المدنيين الذين عانوا من ويلات هذه الحرب.
سائر الإدلبي.
المركز الصحفي السوري