على مدى العقد الماضي، تمت الإطاحة بزعماء 6 جمهوريات عربية ومع ذلك، وبالرغم من الحرب الأهلية الوحشية التي أودت بحياة ما يقدر بنحو 600 ألف شخص وتشريد نصف سكان بلاده، لا يزال رأس النظام السوري “بشار الأسد” في السلطة في دمشق وفق تقرير نشره موقع “جامعة برانديز” أمس الخميس 8 نيسان/أبريل، وترجمه المركز الصحفي السوري عنه بتصرّف.
فقدت غالبية أسرتها ولا تعرف مصير عقاراتها… تعرف على قصة عائشة
في الذكرى العاشرة للثورة السورية يقول صاحب كتاب “الأمة ملك للجميع: صنع سوريا الحديثة” الباحث في كلية والش للخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون “دانيال نيب” والذي يفحص التطور السياسي في سوريا من حيث التحولات العالمية والبنى التحتية الاقتصادية المتغيرة وموجات الاحتجاج الشعبي أنّه من السابق لأوانه إعلان أن الصراع في مراحله النهائية.
صمد وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا في آذار/مارس 2020 حتى الآن في الشمال الغربي؛ وتدعم روسيا قوات النظام السوري بينما يقاتل الجنود الأتراك لدعم المعارضة في المنطقة، لكن لدى تركيا وروسيا مواقف مختلفة جذرياً بشأن هيئة تحرير الشام، التي تعتبرها موسكو مجرد منظمة إرهابية وليست مقدماً للحكم القابل للحياة.
من جانبها، لم تتخل حكومة النظام السوري بأي حال من الأحوال عن مساعيها لاستعادة إدلب وشمال شرق سوريا، وبينما يبدو أنه لا يوجد بديل منظم أو قابل للتطبيق لنظام الأسد داخل الأراضي الخاضعة للنظام، إلا أن هناك صعوبات خطيرة هناك أيضاً: جيوب مقاومة في جنوب غرب منطقة حوران، وتوترات بين دمشق والقيادة المحلية في السويداء، وتوتر شديد فيها. الإجهاد الاجتماعي والإرهاق الاقتصادي الناتج عن عقد من الحرب الوحشية, ويمكن للتغييرات المفاجئة على أيّ من هذه الجبهات أن تشعل رد فعل متسلسل يؤدي إلى إعادة فتح الأعمال العدائية في جميع أنحاء البلاد.
إن طول عمر الملوك والرؤساء في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يؤدي في بعض الأحيان إلى توجيه الانتباه بشكل خاطئ إلى التركيز على الأفراد في القمة بدلاً من الهياكل والمؤسسات التي تبقيهم هناك. ومع ذلك، فإن شخصية “بشار الأسد” في النظام السوري أقل أهمية من النظام البيئي الأوسع للأفراد والمصالح القوية، التي تمتد عبر مجالات الجيش والأجهزة الأمنية والأعمال والصناعة والميليشيات المحلية والجريمة المنظمة والتهريب، فمن الأفضل التفكير في “النظام” ليس على أنه دائرة داخلية من الجنرالات الموثوق بهم حول بشار، بل على أنه التأثير الكلي الناشئ لكل هذه الشبكات التي تعمل بطريقة شبه مستقلة.
إن التفكير في “النظام” على أنه مجموعة لامركزية من الشبكات المتشابكة يساعد أيضاً في تفسير صعوبة التحكم في آلية الدولة أو اتباع الأوامر من القمة بنجاح على الأرض. فبعد وصول بشار إلى السلطة في عام 2000 تم الإعلان عن المئات من مبادرات الإصلاح ولكن لم يتم تنفيذها أبداً، ما يدل على ضعف القدرات المؤسسية والجمود في الشبكات المؤسسية في مواجهة التغيير.
وخلال الحرب السورية, يبدو أن نشر النظام غير العقلاني للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين لم يكن مدفوعاً بدراسة متأنية من قبل الدائرة المقربة من بشار، ولكن بدافع من المكونات الأقل مستوى للشبكات العسكرية التي تتبع افتراضاتها الخاصة حول مصالح النظام، وأفضل السبل لتحقيقها.
إنّ المطالب الخارجية لنظام الأسد لإصلاح نفسه، سواء من حيث إدخال الديمقراطية الانتخابية أو التعددية السياسية أو حتى احترام حقوق الإنسان لا يمكن تحقيقها من قبل القيادة السورية الحالية.
وحتى إذا تم تغيير الأفراد الموجودين في قمة النظام، فسيستمر النظام نفسه في العمل وفقاً للخطوط التي تم وضعها بالفعل, في حين أن الدعم العسكري الروسي والإيراني منذ عام 2015 قد يوفر لنظام الأسد دعماً وجودياً أساسياً، فإن هذا الهيكل الداخلي هو الذي يفسر سبب اتخاذ النظام السوري الشكل الخاص الذي يتخذه.
فغالباً ما يوصف المجتمع السوري بأنه خليط من الجماعات العرقية والدينية التي ناضلت تاريخياً من أجل السيادة, وغالباً ما يوصف النظام السوري ولا سيما أجهزته الأمنية بأنه يهيمن عليه العلويون وتدعمه أقليات أخرى تخشى الاضطهاد إذا تولت الأغلبية العربية السنية في سوريا السلطة, وهذا التوصيف للمجتمع السوري يتجاهل بعض الحقائق الأساسية.
فمنذ نشأته خلال الستينيات والسبعينيات توطد النظام السوري بدعم من تحالف من العمال والفلاحين وليس تحالف الأقليات وفي العديد من المناطق ذات الدعم القوي لحزب البعث مثل درعا وحماة ودير الزور كان هؤلاء الفلاحون بأغلبية ساحقة من السنة وتركز الفلاحون من الأقليات في مناطق أخرى مثل الساحل والسويداء.
ولم يكن هناك أي شيء طائفي في جوهره لدعم النظام, فقد تم تشكيله في البداية كتحالف للمصالح الطبقية.
حقيقة أن الثورة بدأت في درعا مهمة ليس لأن درعا ذات أغلبية سنية، ولكن لأنها كانت تاريخياً دائرة انتخابية رئيسية لحزب البعث وقدمت رؤساء وزراء ومسؤولين كبار في الحزب.
فقد تغيرت ديناميكيات المجتمع السوري بشكلٍ جذريّ خلال عقد من الحرب، ووجدت أطراف النزاع أنه من الملائم تعبئة الهويات العرقية والطائفية لأغراض إستراتيجية.
ومع ذلك فإن تكريس الهويات الطائفية في مؤسسات الحكومة أو تضمينها في صيغ لتقاسم السلطة السياسية له آثار سلبية طويلة المدى.
يُذكر أنّ عدّة تكهّنات تحدثت أن زوجة رأس النظام “أسماء” يمكن أن تخلف زوجها في رئاسة البلاد, إلاّ أنّ الثورة قامت لتغيير النظام ككل وليس استبدال صوري بآخر, ولا أحد في سوريا ساذج إلى حد يتخيل فيه أنّ مثل هذا التحول في المقاعد يؤدي إلى تغيير سياسي حقيقي.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع