يجتمعون كعادتهم كل فرصة ليتحدثوا عن مشاريعهم بعد انتهاء العام الدراسي، لتكون مخيلتهم مسرحا واسعا لأفكارهم البريئة والعفوية، فهم أطفال في ربيع العمر، حرمتهم الحرب من أبسط حقوقهم لكنهم يبتدعون لأنفسهم حقوقا أخرى من نسج خيالهم؛ علّهم يردون اعتبار تلك الطفولة التي اُغتيلت قبل أن ترى الحياة.
محمد، ملهم، مصطفى، عبد الغني، وعبد المعين، أطفال من إدلب المدينة في الصف الرابع، جمعتهم المدرسة، وحبهم العلم وروح المنافسة في سباقٍ للتفوق، إلا أنهم كغيرهم من الأطفال في شتى أنحاء سوريا يحاولون البحث في ذاكرتهم عن شيء جميل؛ لينسوا معه آلاما وأوجاعا تركتها الحرب في نفوسهم الطفولية التي لا تعرف حقدا أو بغضا.
“وين رح تقضوا العطلة الصيفية؟”، سؤال ابتدأ به ملهم الجلسة اليومية، وهم يفترشون أرض الباحة ويتقاسمون أكلاتهم مما اشتروه من ندوة المدرسة، فترى في أعينهم حبا لا تراه في أعين الكبار لأنه صاف لا يعرف الزيف والطمع والحقد، وهنا يبدأ حماسهم ليجيب محمد: ” وعدني البابا ياخدنا عالبحر ورح يروحو معنا بيت عمي.. رح ننبسط كتير، ورح اعمل تمثال بالرمل بيشبه سوريا بس متل ما كانت قبل مو متل هلق”، يتحدث بثقة وعفوية إلا أن والده لا يمكنه أن يذهب لمناطق النظام كونه مطلوباً لخدمة الاحتياط في الجيش، لكن أحلامه سبقت واقعه المؤلم.
يرد عبد المعين بحسرة :” نيالك، أنا كل يوم بفتح عألبوم الصور وبتذكر لما كان عمري خمس سنين، ورحنا عالبحر، وكنت ابكي كل ما يجي الموج ويضرب فيني”، فيضحكوا جميعا ليقص كل منهم ذكرى جميلة مازالت تطرق أبواب قلوبهم الصغيرة.
” أنا رح سجل بدورة لأتعلم لغة ألمانية، نص رفقاتنا راحوا ع ألمانيا، ونحن رح نطلع كمان، في عندن كل شي كهربا ومي، وفي ألعاب، أهلي كمان رح يطلعوا، ماما دايما بتقول شو في بهالبلد لازم نطلع ماضل أمان”، يقولها عبد الغني على أمل أن تتحقق، إلا أن والده لا يملك سوى قوت يومه، فهو يعمل بائع خضار في السوق يأتي كل مساء وقد أضنى جسده التعب.
وبعد طول جدال بينهم اتفقوا على أن يقضوا عطلتهم في مدينتهم، وأن يبحثوا عن عمل بسيط يؤمن لهم دخلا ليساعدوا به عائلاتهم، يقول مصطفى بعد أن انتهت نشوة الذكريات :” شو رأيكم نفتح المطمورة الي كنا عم نجمّع فيها من أول السنة، ونشتري فيها أكلات ونعمل بسطة ونبيع والمربح بنقسموا عكلنا؟”، يأتي الرد بالموافقة من “شلة العصابة” كما تسميهم معلمة الصف.
يحاولون ببراءة طفولتهم رسم مستقبل يلائم أفكارهم وتطلعاتهم، وينسجون من وحي خيالهم صورا ومشاهد تحقق لهم تلك التطلعات، لكن الصدمة ستكون كبيرة عندما يعيشون الواقع المخجل الذي لا يحقق لهم أدناها، فقد كان الأطفال سابقا ينتظرون العطلة الصيفية ليقوموا بنشاطات عدة ويرفّهوا عن أنفسهم بعد عام متعب في الدراسة والجد، لكن الأمور قد انقلبت في سنوات الحرب.. وتتشابه أيامهم فشتاؤهم كصيفهم ثابت خال من الفرح نهارهم في كلا الفصلين مظلم، والمعاناة ماتزال مستمرة.
المركز الصحفي السوري – سماح خالد