كم هو شعور مؤلم أن تفقد أحد والديك أو كلاهما معا وأنت في سن الطفولة، فكنا صغارا نترقب الساعة بالدقائق ليحين موعد عودة والدنا من عمله حاملا في يده حاجيات المنزل وبعض الأشياء الجميلة التي يحبها الأطفال، ونختبئ خلف والدتنا عندما نشعر بالخطر أو الخوف من أمر ما، وعندما نغفو نشعر بالأمان عند اشتمام رائحتها العطرة المفعمة بالمحبة والحنان، ونخشى أن يأتي يوم نفقد فيه هذه الثروة التي منحنا إياها رب العالمين.
وعلى وقع الحرب السورية، فقد كثير من الأطفال ذويهم وأصبحوا في عداد الأيتام يعيشون حياة تفتقر للحياة، ويواصلونها رغما عنهم وفي قلوبهم ألف ندبة لن تندمل جراحها مع مرور الزمن.
ورغم حجم المعاناة التي تعجز الكلمات عن تصوير جزء بسيط منها، لكنها للأسف لم تنته بالفقد واليتم الذي حل بعدد كبير من أطفال سوريا، بل تعدت ذلك لتحيك في نسيجا من الظلم والقهر بغياب دور الأبوين أو حتى أحدهما، فلكل منهما دوره في حياة الأبناء.
يروي لنا سيف في العاشرة من عمره ما يؤلمه بعد أن فقد أبويه في غارة للطيران الروسي في سوق مدينة ادلب، وأجبر برفقة أخويه اللذين يصغرانه سنا على العيش مع عمه:” ماما كانت تبهدلني إذا ماكملت صندويشتي أو ما أكلت منيح، بس هلا مرت عمي بتضربني إذا جعت وفتحت البراد لآكل”.
أما لمى التي لم تبلغ الثلاثين من عمرها توفي زوجها كغيره إثر القصف المكثف على مدينة ادلب الصيف الماضي، فكانت أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن ترضى بالزواج من أخ زوجها وترضخ لما يمليه عليها والذي يكبرها ب25 عاما كشرط لتربية أطفالها وتأمين معيشتهم وبقائهم في منزلهم الذي تعود ملكيته له، أو أن تعيش في منزل أخيها المؤلف من غرفتين لا تكادان تتسعان لعائلته، فكان القرار صعبا وعاد على الأطفال بتأثيرات سلبية، لما كان منها إلا أن ترضى بالزواج لتضمن أن يعيش أطفالها بمنزلهم، لكن هل تعوض قساوة العم وأنانيته وحبه لذاته حنان الأب وعطفه؟.
أما من فقد والدته نتيجة قصف أو اعتقال أو أي سبب آخر من أسباب الموت في سوريا، فالمعاناة تختلف كليا، فلا أحد يمكنه أن يأخذ دور الأم أيا كان، يحدثنا أبو لؤي عن تجربته بعد وفاة زوجته برصاصة طائشة في الرأس:” حاولت تأمين مربية لأطفالي لكنني اكتشفت عن طريق الصدفة أنها تقضي وقتها على برامج الانترنت والاعتماد على الأولاد في تدبير شؤون المنزل، لذا كان الزواج الحل الأنسب برأي المجتمع، لكنه جحيم بحق الأطفال فنادرا ماتجد أنثى حنونة تقدم ولو جزءا بسيطا من حنان الأم وتعوض الأطفال عما هم بحاجته، ليكونوا ضحية وقعوا بيد الحرب تدور بهم شرقا وغربا وتذوقهم أشد ألوان الظلم مرارة وقسوة”.
مجلة الحدث_ سماح الخالد