لم تكن التطورات التي حصلت خلال الأيام القليلة الماضية بين الروس والأتراك والإيرانيين حدثا عاديا وتقليديا، فنحن بدأنا نشهد ما يمكن تسميته بدون مبالغة: المحور الروسي – التركي – الإيراني والذي قد يكون بديلا عن الانقسام الذي كان حاصلا طيلة السنوات الماضية بين محورين دوليين وإقليميين متقابلين، الأول يضم إيران وروسيا وحزب الله وسوريا في مقابل المحور التركي – القطري – الأمريكي- السعودي والمجموعات المعارضة للنظام السوري، وكانت الأزمة السورية هي الحد الفاصل بين المحورين وهي أحد الأسباب الرئيسية للخلافات التي برزت طيلة السنوات الماضية والتي كادت تصل إلى حد الحرب المباشرة ولاسيما بعد إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة من قبل الطيارين الأتراك.
لكن يبدو أن التطورات التي حصلت في تركيا قبل وبعد الانقلاب العسكري قد أفرزت مشهدا سياسيا واستراتيجيا جديدا، وبرز ذلك بوضوح من خلال سلسلة اللقاءات والزيارات التي تمت بين المسؤولين في الدول الثلاث والمواقف التي أطلقت، وكما أننا سمعنا تصريحات تركية واضحة وخصوصا من قبل رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم عن تطورات جديدة في سوريا وعن وجود اتفاق روسي – تركي – إيراني في سوريا يشمل عدة نقاط ومنها الحفاظ على وحدة سوريا وحماية الحدود الآمنة وتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد تأمين الاستقرار السياسي والأمني في سوريا.
وجاءت العمليات العسكرية الروسية في سوريا عبر قاعدة مطار همدان في إيران والمترافقة مع الإعلان الروسي عن إمكانية القيام بعمل عسكري مشترك مع أمريكا في روسيا والتعاون التركي – الروسي في مواجهة تنظيم داعش، لتؤكد أننا أمام مشهد سياسي وعسكري في المنطقة وان سوريا قد تكون جسرا لبناء محاور جديدة في المنطقة بدل أن تكون السبب الأساسي للصراعات الإقليمية والدولية.
وبانتظار أن تتبلور صورة الأوضاع والمدى الذي سيبلغه التعاون الروسي – التركي – الإيراني وموقف بقية الأطراف ( أمريكا – السعودية – قطر – الدول الأوروبية) من هذا التعاون، فإن من مسؤولية القوى والحركات الإسلامية مواكبة هذه المتغيرات لتحديد موقفها العملي وكيفية التعاطي معها، خصوصا أن بعض القوى الإسلامية الأساسية ترتبط ببعض القوى الإقليمية بعلاقة خاصة ومنها علاقة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الإسلامية بتركيا وعلاقة حزب الله وحلفائه بإيران.
وقد يكون أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من أوائل الذين قرأوا بسرعة هذه المتغيرات وهذا ما انعكس في خطابه الأخير في بنت جبيل (جنوب لبنان) بمناسبة الذكرى السنوية لنهاية حرب تموز (يوليو) والانتصار على الجيش الإسرائيلي، فقد وجه نصر الله نداء خاصة للتنظيمات الإسلامية المقاتلة في سوريا داعيا إياها لإعادة النظر بحساباتها وأن لا تكون كبش محرقة في أيدي الأمريكيين، ومما جاء في خطاب نصر الله: أنا سأوجه خطاباً لداعش ولجبهة النصرة ولكل هذه الجماعات التي ما زالت تقاتل في سوريا وفي العراق، وفي اليمن ما زالت تقاتل، وفي ليبيا ما زالت تقاتل، وفي سيناء ما زالت تقاتل، لأقول لهم إذا كانوا ما زالوا يسمعون الصوت، هناك إمكانية تأمل قليلاً، يا جماعة أنتم تم استغلالكم خلال خمس سنوات لتدمير محور المقاومة ولتدمير شعوب المنطقة ولتدمير آمال هذه المنطقة ليقوم على أنقاضها أنظمة ضعيفة خانعة، عميلة، خاضعة للأمريكي والإسرائيلي، إذا عندكم حق ما زال هناك شيء من الإسلام، هناك شيء من الحب للنبي هناك شيء من العلاقة بالقرآن أوقفوا هذا القتال لمصلحة أمريكا في المنطقة، أوقفوا هذا القتال، ألقوا هذا السلاح، نتكلم بمصالحات، نتكلم بتسويات، ربما يكون هذا الكلام فيه مبالغة، نعم أنا أدعو اليوم كل أولئك الذين لا زالوا يحملون السلاح، ونحن نأسف عليهم ونأسى لهم.
وأضاف السيد نصر الله: يا جماعة اجلسوا فقط فكروا قليلاً، فقط فكروا قليلاً ستكتشفون أنه تم استغلالكم وأنه آن وقت حصاد بعضكم وهو داعش وحصاد الباقين آتٍ عندما لا يعودون بحاجة لهم.
هذا ما ندعو إليه اليوم أمام كل المعارك الموجودة في المنطقة. العلماء الحكماء العقلاء الفهيمون، الناس الحريصون على هذه الأمة، الذي يستطيع أن يقول كلمة، الذي يستطيع أن يجري اتصالاً، الذي يقدر أن يبذل جهداً، يجب أن تتوافر كل الجهود لوأد هذه الفتنة القائمة في الأمة وفي المنطقة.
إذن نحن أمام موقف جديد يطلقه أمين عام حزب الله السيد نصر الله، وقد أبدت أوساط إسلامية قريبة من الإخوان المسلمين في لبنان ارتياحا لهذا الموقف واعتبرته مؤشرا على تغير ما في خطاب حزب الله بغض النظر عن الوقائع الميدانية في المشهد السوري وما ستقوم به تركيا من خطوات على صعيد الحلول السياسية.
فهل تشكل هذه التطورات إشارة للقوى والحركات الإسلامية وكل الإسلاميين في المنطقة لإعادة دراسة المتغيرات والعمل للبحث عن تهيئة الأجواء لمواكبة هذه المتغيرات ووضع آليات جديدة للحوار والتواصل تمهيدا للحلول السياسية في حال تحققت.
قاسم قصير – عربي 21
