“الحربي نفذ، فضوا التجمعات، وخليكن منتبهين، الحربي عدّل وباتجاه الجنوب…”، عبارات باتت مألوفة وحفظها السوريون في المناطق المحررة عن ظهر قلب التي تذاع في مراصد القبضات على مدار الساعة لتحذير المدنيين من اقتراب خطر الطائرات الحربية والمروحية من سماء مناطقهم.
يجلس (أبو سليمان) أمام بسطة يبيع فيها “البرتقال والليمون” في سوق مدينة إدلب وقد اعتلت التجاعيد ملامح وجهه الحزين رغم أنه لم يتجاوز الخمس والأربعين من العمر لكن حياة الحرب والظروف الصعبة التي تعيشها المناطق المحررة من النظام دون استثناء أثقلت كاهله لتترجم الهموم والآلام على شكل تجاعيد.
وما إن دوّى صوت صافرات الإنذار في السوق حتى ترك بائعو الخضار والفاكهة والمواد الغذائية بضائعهم واتجه كل منهم لمداخل الأبنية القريبة ليختبئوا ريثما يزول الخطر عنهم، إلا أن أبا سليمان لم يحرك ساكنا وبقي صامدا أمام بسطته ينقّل ناظريه هنا وهناك وإلى السماء فيرد على جاره الذي ناداه منبّها:” الموت ما منو مهرب وين ما كنا، وما ضل عنا شي نتمسك فيه لنعيش بهالدنيا الفانية، الله يتلطف بالعباد”.
اعتاد أهالي مدينة إدلب أن يشتروا حاجاتهم الغذائية من سوق المدينة، فكان – سابقا – يكتظ بالمارة وبالبسطات التي ينادي أصحابها بعبارات لجذب الزبائن، لكن بسبب الهجمة الشرسة التي يشنها الطيران الحربي على المدينة أمست شوارعها وأسواقها شبه خالية من السكان، وانخفض نسبة الباعة بعد تعمد النظام استهداف التجمعات في الأسواق، فكانت بضائعهم دائما عرضة للتخريب بعد كل غارة، فما إن يسلموا بأنفسهم يخسروا مصدر رزقهم.
يقول أبو سليمان والحسرة بدت واضحة عليه وهو يستذكر أيامه الخوالي في سوق إدلب الشعبي أو ما يعرف بسوق الساحة:” كنت أملك صالة كبيرة لبيع جميع أنواع الخضار والفاكهة مما تشتهي وتتمنى، لكن وحشية النظام وغاراته المتكررة تسببت بتلف البضاعة أكثر من مرة ودمار المبنى، فخسرت رأس مالي وتضررت كثيرا لأمسي الآن أمام هذه البسطة المتواضعة لأجني قوت يومي فقط.. ومع ذلك الحمدلله على كل حال”.
تضرر تجار السوق كثيرا بفعل الطيران الغاشم، وما زاد وضعهم سوءا لجوء الأهالي لشراء حاجاتهم اليومية من المحال القريبة من منازلهم في الأحياء رغم أنها أغلى ثمنا وقد تصل للضعف إلا أنها تشفع لهم من التوجه للسوق واتقاء شر الصواريخ، فأصبحت كلمة سوق مصدر رعب وخوف لهم ولعوائلهم، الأمر الذي ساهم بتكدس البضائع والعائد المادي القليل بعد أن كانوا ينعمون بالخيرات.
لم ينس أهالي المدينة الخضراء المجازر التي ارتكبها النظام في أسواقها، فقد وصل عدد الضحايا في وقفة عيد الأضحى بإحداها إلى 80 شهيدا جلهم أطفال، فجدرانها المدمرة ستبقى شاهدة على فظاعة أعمالهم وانعدام الإنسانية والأخلاق في تعاملهم مع المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في بلد لا يقيم اعتبارا لحياة الشعب.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد