على الرغم من التفاؤل المفرط الذي أعقب إعلان سحب روسيا جزءاً كبيراً من قواتها المقاتلة في سورية، وما ترتب عليه من تكهناتٍ توحي بأنه يمكن لروسيا أن تساعد الولايات المتحدة على عزل بشار الأسد، فإن التصريحات والأحداث الأخيرة تظهر عكس ذلك.
غياب روسيا عن المؤتمر الخاص بالنووي رافقته حفنة عباراتٍ مستنكرة للرئيس الأميركي، باراك وباما، الذي قال “تعني مقاطعة الرئيس فلاديمير بوتين القمة، أن هناك مخزوناً نووياً هائلاً لا تشمله تلك الجهود”.. ما يشي بأن الوفاق بين البلدين ليس في أفضل حال.
وبالعودة إلى الملف السوري، فإن تأكيدات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيراً، أن “الحديث عن وجود اتفاق حول مصير الأسد ما هو إلا تضليلٌ ومحاولةٌ لإظهار الأُمنيات واقعاً”، وقوله إن “واشنطن تنشر معلوماتٍ خاطئةٍ حول سير المشاورات الروسية الأميركية الخاصة بالتسوية السورية”، يعني أن الخلافات بين القطبين لا زالت قائمة، بل ربما هي في أوجها.
في الأسبوع الماضي، عبَّر رئيس وفد النظام في مفاوضات جنيف، بشار الجعفري، عن استعداد بلاده التنسيق مع أميركا للقضاء على الإرهاب. وفي مقابلته، أخيراً، مع وسائل إعلام روسية، عدَّد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أسماء الدول التي تدعم الإرهابين إقليمياً وعالمياً، وأكد على دور كل من فرنسا وبريطانيا في ذلك، من دون أن يأتي على ذكر الولايات المتحدة.
لكنه استنتج، في المقابلة نفسها، وجود “صراعاتٍ” داخل الإدارة الأميركية نفسها، موحياً بأنه امتلك دهاء اللعب على تلك المتناقضات، عندما استطاع إيجاد بيئة في سورية مشابهةٍ للتي كابد منها الأميركان في فيتنام والعراق.
لا تغيّر أخبار الدستور السوري الجديد، المزمع إعداده من الروس والأميركان، من الأمر كثيراً، فعلى الرغم من التجديد الحقيقي في بعض أهم بنوده، إلا إنه ما زال يسمح لبشار الأسد بترشيح نفسه لحكم سورية سبع سنوات جديدة، مرتين، على ما تقول المعلومات المسرّبة عن هذا الدستور، ما قد لا ينفع معه إلغاء بند ديانة الرئيس من الدستور المنتظر.
تأتي الخروق في الهدنة التي اتفقت على إنجاحها معظم الأطراف على أرض سورية بين النظام ومعارضيه تجسيداً ميدانياً لغياب الاتفاقات السياسية. بدأها النظام، ومن خلفه روسيا، على شكل ضرباتٍ محدودةٍ على بعض المواقع، ثم زادت وتيرة شدّتها، حتى شهدنا بالأمس القريب مجزرة فتكت بسبع وثلاثين مدنياً في بلدة دير العصافير، معظمهم من النساء والأطفال، وتلاها، بعد يوم، قصف جويٌّ عنيفٌ نفذته طائرات النظام على مناطق الغوطة الشرقية والغربية، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تخرج عن حالة “غض النظر”، فنددت بالمجزرة، وحمَّلت النظام مسؤولية خرق الهدنة المتفق عليها.
وجاء رد قوات جيش الفتح ميدانياً في ريف حلب الجنوبي، حيث قامت ببضع عملياتٍ هناك، أدت إلى استرجاع تل العيس، ومجموعة التلال المحيطة، وعينها على منطقة الحاضر، تزامن ذلك مع انتصاراتٍ محدودةٍ، حققتها كتائب معارضة في ريف اللاذقية.
كانت الولايات المتحدة، في هذه الأثناء، تحضّر لتدريب دفعةٍ جديدةٍ من المقاتلين السوريين على أساليب حديثة، أكثر فاعلية، لمواجهة تنظيم داعش، في خطوةٍ عمليةٍ يؤكد أوباما فيها فاعلية أميركا على الأرض، وعملها المستمر للقضاء على الإرهاب. فبمتابعة الانتصارات التي تحققت، في الأسابيع الأخيرة، في كل من سورية والعراق، على تنظيم الدولة الإسلامية، نفهم أن لدى أوباما ما يواجه به العالم، حين يسأله أحدهم: ماذا كنت تفعل؟
أنْ يعني انسحاب قوات روسيّة اقتراب نهاية نظام الأسد فهذا الأمر يشبه “الفانتازم” الذي تولّده المخيّلة من تلقاء رغباتها، لأن تدخل روسيا، من الأساس، لم يكن لأجَلٍ غير مسمى، وبالتالي هو خطوةٌ لا يعوّل عليها استراتيجياً، ويبقى على الولايات المتحدة أن تقدّم خطةً مقنعةً لبوتين عن مرحلة ما بعد الأسد، لأن الفوضى التي ستلي انهيار الهدنة لن تعجب أياً من دول العالم، حتى روسيا.
العربي الجديد