ربّما لا يعرف كثيرون أنّ البدون أيضاً يسعون إلى الهجرة، بل أنهم يهاجرون فعلاً. هؤلاء الذين لا يملكون صفة المواطنة، يحلمون بأن يكون لديهم وطن وأن يعيشوا بكرامة.
تبدو قصّة فهد مكرّرة، هو الذي عاش تجربة لا تختلف عن كثيرين. لجأ إلى أوروبا، وقد انطلق من تركيا واجتاز مقدونيا وصربيا وكرواتيا والنمسا، إلى أن وصل إلى بريطانيا. ليس سوريّاً أو عراقياً أو إفريقياً. ولم يأتِ من بلدان تمزّقها الحروب على الرغم من ادّعائه أنه لاجئ سوري. يتحدّر من الكويت، وقد ولد وعاش فيها من دون أن يحصل على صفة المواطنة. هو أحد مئات آلاف البدون في الكويت، الصفة التي تطلق على سكان الكويت الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية ولا ينتمون إلى أي بلد آخر.
تتنوّع الوجهات التي يفضّلها البدون لهجرتهم. منهم من هاجر إلى أستراليا أو الولايات المتحدة أو دول أوروبا. لكنّ اللافت في قصة فهد أنه اختار هجرة بنكهة اللجوء. جال وأشقاءه الأربعة سبع دول أوروبية إلى أن وصل إلى العاصمة البريطانية لندن. تردّد الأشقاء الأربعة قبل الحديث عن هجرتهم، خشية تعرّضهم للأذى. لكن فهد حكى لـ “العربي الجديد” قصّته.
يقول: “على العالم بأكمله أن يعرف كيف نعيش. يصل العشرات من البدون الى هنا (لندن) يومياً. هؤلاء قد يكونون عرضة للموت بسبب الجوع والبرد، من دون أن يكترث أحد لمعاناتهم”. يوضح أن معظم البدون يرغبون في الهجرة، لكنّ المشكلة تكمن في انعدام الفرص، وعدم توفّر المال الكافي للانتقال إلى بلد جديد. كذلك، لا نستطيع الدخول إلى بريطانيا بجواز سفر البدون.
بحث عن وطن
يضيف فهد: “لسنا بفاشلين. تخرّج شقيقي الأكبر من جامعة خاصة. وحين أراد الحصول على عمل، عرضت عليه وظيفة براتب 827 دولاراً أميركياً، فيما يتقاضى المواطنون الكويتيون راتباً أعلى بأربعة أضعاف. في المقابل، يتقاضى الوافدون ضعفي هذا الراتب، ما يعني أنه لن يستطيع سداد رسومه الدراسية إلّا بعد خمس سنوات. لكن الأمر لا يتعلق بالمال بل بالكرامة. لم نهاجر بحثاً عن المال، بل بحثاً عن وطن”.
في هذا الإطار، يقول المعيد في قسم الاقتصاد في الجامعة العربية المفتوحة في الكويت، عبدالله الجبر، لـ “العربي الجديد”: “يعاني البدون من أوضاع اقتصادية صعبة بالمقارنة مع المواطنين والوافدين. ويفترض بهم أن يعيشوا حياة المواطن العادي لكن براتب أقل بالمقارنة مع راتب الوافد أحياناً”. يضيف أن “أصحاب العمل يفضّلون توظيف الكويتيين لأن الحكومة تدعم الشركات التي توظّف المواطنين مالياً، وتتكفّل بدفع ثلاثة أرباع رواتبهم وفق قانون دعم العمالة الوطنية. وفي الدرجة الثانية، يفضّلون توظيف الوافدين بسبب قلّة رواتبهم وسهولة استغلالهم، على عكس البدون الذين لا يستطيع أرباب العمل التعامل معهم بالطريقة نفسها”.
يتابع فهد سرد قصّته. يقول: “اتصل بي جاري قبل أشهر، وأخبرني عن طريق جديد للهجرة بدءاً من تركيا وصولاً إلى لندن. بحثت الأمر مع أشقائي ووالدي على مدى ثلاثة أيام، ثم قررنا السفر إلى تركيا. بعد وصولنا، نسّقنا مع مجموعة من المهربين في مقابل دفع مبلغ 1250 دولاراً عن الشخص الواحد، وحصلنا على هويّات سورية مزورة، وبدأنا رحلتنا بحراً من تركيا إلى اليونان. كانت الرحلة أشبه بكارثة. القارب المطاطي بالكاد يتّسع لخمسة أشخاص، وقد ضم نحو 30 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال. كان الوضع صعباً، ودعونا الله ألا نغرق. تردّدت عائلة في ركوب القارب في اللحظة الأخيرة، فضرب المهرّب رب الاسرة وأشهر سلاحاً في وجهه وأمره بالركوب. وصلنا إلى اليابسة بعد رحلة دامت ثلاث ساعات”. يشير فهد إلى أنهم وصلوا إلى جزيرة يونانية اسمها خيوس في الساعة العاشرة صباحاً، وهي جزيرة صخرية جبلية قاسية. ثم مشوا على أقدامهم في هذه المنطقة الوعرة لثلاث ساعات، وكانت درجة الحرارة أدنى من الصفر. حمل طفلاً لم يكن يتجاوز عمره بضعة أشهر.
يقول فهد: “نمنا تلك الليلة في مخيم للاجئين. كان البرد شديداً. طلبنا أغطية فأخبرنا أنه لم يعد هناك المزيد، والأولوية لكبار السن. في اليوم التالي، ركبنا العبّارة من الجزيرة واتجهنا الى أثينا. كانت مدة الرحلة ست ساعات، ثمّ ركبنا الحافلة نحو الحدود اليونانية المقدونية. وعند وصولنا إلى الحدود، وجدناها مغلقة من قبل لاجئين آخرين”.
العربي الجديد