في النظام الدولي المتشابك والمعقد، كثيراً ما تتعارض المصالح السياسية مع الفلسفات السامية التي تتبناها الوحدات الدولية خلال علاقاتها المتبادلة وتفاعلاتها المستمرة بعضها ببعض، وكثيراً أيضاً، ما تتعدد القوانين الدولية الناظمة لملف من الملفات، لتقف السلطات التنفيذية في هذا الفضاء الواسع، بدءاً من الأمم المتحدة وصولاً إلى أصغر وحدة دولية في النظام الدولي، أمام ما يشبه التضارب في الاختصاص، ما قد يؤدي إلى اضطراب هيكلي في حال تم الوقوف عنده. وهذا ما يدفع بها، أي الوحدات الدولية، إلى التعاطي السريع مع الملفات الكثيرة اعتماداً على العرف القانوني والدبلوماسي المتواتر عبر تاريخ العلاقات الدولية.
لا تجد كثيرٌ من الدول، وبعض من المنظمات الدولية المعروفة، بُدّاً من التعامل مع النظام السوري ورموزه، كونه يمثل شرعية الدولة السورية، بالاستناد إلى القانون الدولي العام، فهو من يمثل عمال سوريا وأطفالها ونساءها، شاءت المعارضة أم أبت، لا فرق، فالأمر سيّان، ستستمر كثير من الدول الكبرى بوضع أحكام القانون الدولي الإنساني بالرفوف السفلى عند تعاطيها مع أي ملف تتنازع فيه هذه الأحكام مع أحكام القانون الدولي العام. ربما لا يوجد رابط أساس بين الحكمين قانوناً، إلا أن نفي أحدهما لصالح الآخر قد يعني، فيما يعنيه، دفن القيم السامية والمبادئ العليا تحت الطاولة في الاجتماعات والمؤتمرات والندوات السياسية، إلى أن يحين وقت استخدامها، في خطبةٍ جماهيرية، أو بيان عن مجموعة دول “أصدقاء”، أو تصريح عن شخصية “سلام”!
منظمة العمل الدولية، التي تبحث عن السلام العادل والشامل بتبنيها العدالة الاجتماعية وسيلةً لذلك، حسبما تقول، تقبل بأن يشارك وزير العمل في نظام الأسد باجتماع العمل الدولي السنوي رقم 103، كنوع من حضور ممثلٍ عن ديكتاتور أمعن في قتل شعبه وتشريد مواطنيه، وألحق بالبلاد الخراب الاجتماعي والاقتصادي. وزير العمل السوري وبقية أعضاء وزارته يتدربون من قبل مركز التدريب الدولي التابع لمنظمة العمل الدولية، على حساب المنظمة التي من المفترض أن ترعى وتدعم حقوق الإنسان، لا أنت تدرب وتؤهل أعوان مستبدين، وتعطي دعاة حرب وخراب وداعمي إرهاب الفرصة للحصول على خدمات “مهمة نوبل” لتمكين الحكم الديموقراطي والتغييرات الاجتماعية! أي تغيير اجتماعي سعى إليه نظام الأسد غير إثارة النعرات الطائفية، وإخضاع أغلبية الشعب السوري أمام آلة القتل. بل أي تغيير اقتصادي يرتجى بينما تسرق أموال الشعب لصالح عائلة حاكمة، وتصفى آخر منشآت الدولة الصناعية لصالح الاستدانة من دول خارجية رهناً لمصير الشعب واقتصاد البلاد مستقبلاً.
في المقابل، تدين مجموعة الدول الصناعية الكبرى (G7) في بيانها الصادر 04 يونيو/ حزيران 2014 “وحشية النظام التي تؤجج نزاعاً أودى بحياة أكثر من 160 ألف شخص وخلّف 9.3 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية”، تندد الدول التي اختصرت نفسها من 8 إلى 7 باستبعاد روسيا بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية؛ بالانتخابات الرئاسية “الصورية”، وتؤكد على أن لا مستقبل للأسد في سوريا! هذه البيانات التي تستذكر وحشية النظام، سرعان ما تتلاشى بالممارسة، فالنظام السوري لا زال في الأمم المتحدة متجولاً يحمل ورقة الكيماوي وساماً على صدره، بعد أن خنق بهذا السلاح العشرات من أطفال سوريا ونسائها ورجالها.
الولايات المتحدة الأمريكية تسمح لشخص كوليد المعلم (وزير الخارجية في نظام الأسد)، بدخول نيويورك لإلقاء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وهو الشخص الذي يرد اسمه في لوائح العقوبات الأمريكية والأوروبية، ويُمنع دخوله إلى أراضي تلك الدول. مانعت أمريكا ولكنها رضخت لــ القانون الناظم لعلاقتها مع الأمم المتحدة في النهاية!! كما فعلت مع عرفات سابقاً ولكن شتان بين الضحية (منظمة التحرير) والجلاد (نظام الأسد).
لا يزال النظام منتهكاً القانون الدولي الإنساني، على مرأى ومسمع من العالم أجمع. يخالف قرارات مجلس الأمن 2118 و 2139، وقوانين الجمعية العامة للأمم المتحدة وقوانين مجلس حقوق الإنسان، فهو لم يتوقف للحظة عن إلقاء البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية فوق المناطق الكثيفة سكانياً. لا يزال النظام السوري مطبقاً الحصار الوحشي على مناطق عدة في سوريا ليواصل حملة “الجوع أو الركوع” المتواصلة منذ عام تقريباً، هو يحاول دفن إرادة الشعب بالحصول على عدالة اجتماعية وبناء دولة المؤسسات في جحيم القمع والاستبداد.
رعد اللاذقاني