تقف هالة أمام بحر ايجة أول شهر نوفمبر حاملة طفلها لا تدري ما سيحل بها، أنفاسها الخائفة لم تستطع السيطرة عليها، فرحلة الهروب مع زوجها بالبحر لم تكن عن عبث، مستقبل بات مجهولاً، مع فقدان عمل زوجها، وتهديد من الحين إلى الآخر باقتحام دمشق يقلق حياتهم، كلها أمور ساعدت زوجها لبيع بيتهم في حي الهامة في دمشق الخاضع لسيطرة النظام وهو أخر ما يملكونه، والمغامرة بحياتهم للوصول إلى أوروبا .
جل اهتمام زوجها قبل الوصول إلى بحر إيجة، تأمينه أفضل طريقة للوصول إلى أوروبا، تواصل عبر الفيس بوك مع أشخاص وصلوا قبلهم إلى أوروبا، وحديث مطول مع أكثر من مهرب، كانت نتيجتها أن هناك طريقة مضمونة عبر قارب سياحي يكلف 2500دولار والآخر عبر البلم “قارب مطاطي” ب1500 دولار، ووعود في حال عدم الوصول استرداد المبلغ المدفوع في مكتب التعاقد الكائن في تركيا، خيارهم الوحيد ركوب البلم لعدم قدرتهم على تغطية مصاريف طريق وأجور القارب السياحي .
لم تكن هالة الأولى التي تفكر بالهجرة، فقد عبر بحر ايجة أكثر من 300ألف لاجئ منهم من مات غرقا ومنهم من نجا بأعجوبة، كلمات المهرب المطمئنة التي يرددها على مسامع زوجها ما كانت لتخفف من خوفها، يقطع صمتها صوت المهرب مناديا للتجمع لركوب “البلم” تمسك طفلها بقوة مستندة على زوجها لتأخذ مكانها، تراقب هالة وجه كل من يركب القارب فبعد أن صعد 20 شخصا على مركب تاهت هالة في العد ،أشخاص كثيرة والقارب صغير، دقائق انتظار الانطلاق طويلة ليبدأ البلم رحلته في عرض البحر، لا أحد يتحدث فالكل منصت للموج، عيون خائفة وشفاه تردد أدعية النجاة من هذا البحر .
ينهرها زوجها بعد أن همست له ” هل من الممكن أن يكون طفلنا إيلان الأخر ” إيلان طفل غرق أيضا في بحر أيجة منذ أشهر قليلة، صورته لم تفارق عيونها طوال الوقت، تمضي الساعات والبلم يزداد تخبطا في البحر وأصوات اللاجئين تضج بالدعاء، أصبحت كلمات المهرب مصدر خوف و إرباك لها، فالماء الداخل إلى البلم ينافي كل كلمة ، تخبط البلم وعلو الموج وصرخات الركاب، زادت من تشبثها بزوجها وطفلها، فبحر إيجة كما قرأت عنه في إحدى المواقع تبلغ مساحته214كم مربع، لتردد بصوت خانق “نحن في منتصف البحر لا مكان للهروب الموت هو المنتظر، لا أريد الموت لا أريد أن يكون طفلي ملقا على شاطئ هذا البحر اللعين ” ،ومع محاولات فاشلة لتهدئتها يظهر قارب إنقاذ كبير متجه نحوهم، يخبرهم المهرب أنه قارب من خفر السواحل اليونانية ، يقترب القارب وعلى ظهره رجل غاضب يصرخ بكلمات لم تكن لا هي ولا زوجها أو حتى من معهم في القارب يستطيع أن يفهمها.
“عصا طويلة كان يمسكها ذلك الشخص على قارب خفر السواحل هكذا أذكر، كأنها سكين ، صرخات خوف، بكاء وتوسل لذلك الشخص لم تكن لتجدي نفعا كان يصوب عصاه نحو القارب المطاطي ليحدث فيه ثقبا، كلماته لا تفهم، القارب يمتلئ بالماء ، والكل يتخبط كأنهم في سكرات الموت، لم أجد زوجي بقربي، لا أذكر ماذا حدث ” بيدين مرتعشتين وجسد مبلول وعيون مملوءة بالدموع كانت تحكي بعد أن ألقاها البحر على الشواطئ اليونانية هي وطفلها وزوجها وبعض ممن كانوا معها، فمن حسن حظهم أن الشاطئ كان قريب وسرعة الموج ساعدت وصولهم سريعا إلى الشاطئ .
من عشرات الأشخاص الذين كانوا مع هالة وزوجها لم يصل إلا القليل ، موت البعض أفسد عليهم فرحة الوصول إلى اليونان ، لازالت وجوه من رافقوها في رحلتها راسخة في مخيلتها، فكانت تدخل بحالة بكاء طويلة بدون سبب، لمجرد أنها تذكر كيف هربوا من موت في ارض الوطن لموت أخر في عرض البحر.
خمسة عشر يوما من التنقل من مهرب إلى أخر ومن دولة لأخرى وصلت هالة وعائلتها إلى ألمانيا ، ليتم وضعها في كامب مخصص للعائلات، أيام قليلة وينشر فيديو على مواقع التواصل يتضمن محتواه أن السلطات اليونانية تقوم بإغراق بلم اللاجئين السوريين عمدا في بحر إيجة، لتصدم هاله بأن ما حدث معها لم يكن تصرف شخص واحد، ضجة إعلامية لم ينتج عنها سوى إدانة للفاعلين، دون إيجاد حل لمأساة اللاجئين السوريين .
أماني العلي
المركز الصحفي السوري