مع تزايد ضغوط الولايات المتحدة على باكستان، بسبب الملف الأفغاني، تعمل إسلام أباد على تعزيز علاقاتها مع تركيا وروسيا والصين وإيران؛ في محاولة منها لمواجهة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة في جنوب آسيا.
** تحوّل في الاستراتيجية الأمريكية
مسؤول رفيع المستوى بالخارجية الباكستانية، فضل عدم الكشف عن هويته، قال للأناضول إن “ما يسمّى بالاستراتيجية الأمريكية في جنوب آسيا، والتي تسعى لتعزيز الدور الهندي في أفغانستان، لم تترك لنا خيارًا سوى البحث عن تحالف إقليمي جديد لمواجهتها”.
ولفت المصدر إلى أنّ “إسلام أباد تعزز علاقاتها المشتركة مع كل من روسيا والصين وإيران وتركيا؛ في إطار مساعيها الرامية لشحذ الدعم بهدف مواجهة الاستراتيجية الأمريكية، باعتبارها تتعارض مع مصالحها ومصالح الدول الأربعة المذكورة”.
وأغسطس/آب الماضي، كشف ترامب، عن تغييرات جديدة في السياسات التي تنتهجها بلاده بكل من أفغانستان وباكستان والهند، حيث تعهّد بتعزيز الدور العسكري لبلاده في مواجهة حركة “طالبان”.
كما اتهم ترامب في استراتيجيته باكستان بـ”توفير ملاذات آمنة للمنظمات الإرهابية”، ودعا لتعزيز دور نيودلهي (الخصم التقليدي لإسلام أباد) في أفغانستان.
وأمام تخلي واشنطن الواضح عن حليفتها التاريخية، باكستان، وتوجهها للهند، ألغت إسلام أباد ثلاثة اجتماعات عالية المستوى مع مسؤولين أمريكيين، ومررت مشروع قرار بالبرلمان ينتقد سياسة أمريكا الجديدة، ويصفها بـ “المعادية”.
مسؤول الخارجية الباكستاني، أشار، في ذات الصدد، إلى التصريحات الأخيرة للروس والصينيين، الداعمة لجهود بلاده في محاربة الإرهاب، معتبرا أنها تشكّل دليلا على أن إسلام أباد تحظى بالدعم في أماكن أخرى، على حد تعبيره.
وأوضح المسؤول أن حكومة بلاده أجرت اتصالات أوّلية مع روسيا والصين وتركيا وإيران، وأنها تلقت “إشارات إيجابية من قياداتها”.
وفي هذا الإطار، يعتزم وزير الخارجية الباكستاني، خواجة محمد آصف، زيارة الصين غدا الجمعة، ومن ثم سيتوجه إلى موسكو، وطهران، وأنقرة منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، حسبما أكد المتحدث باسم الخارجية نفيس زكريا.
وتأتي هذه الزيارات المكوكية في ظل تزايد مخاوف بكين على خلفية دعوة أمريكا إلى تعزيز الدور الهندي في أفغانستان، بصورة يمكن أن تشكّل فرصة أمام نيودلهي لزعزعة استقرار المناطق الجبلية وفي إقليم “بلوشستان” جنوب غربي باكستان (الحدودي مع أفغانستان) الغني بالمعادن، والذي يعدّ أيضًا بوابة لممر باكستان – الصين القتصادي.
** تحالفات إقليمية جديدة
في ذات السياق يرى مراقبون أن التغييير في سياسة ترامب يمكن ملاحظته أيضًا من خلال الشروط الإضافية التي وضعتها واشنطن على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 255 مليون دولار لإسلام آباد، رهنت تقديمها ببذل مزيد من الجهود للقضاء على الإرهاب في الأراضي الباكستانية.
وفيما تزعم واشنطن أنها قدمت نحو 33 مليار دولار أمريكي كمساعدات لباكستان منذ عام 2002 وحتى الآن، تنفي إسلام آباد هذا الادّعاء جملة وتفصيلا.
وتعقيبا عن الجزئية الأخيرة، قال المبعوث الأمريكى الخاص السابق لباكستان وأفغانستان، لوريل ميلر، الأسبوع الماضي، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن “المبلغ المذكور أقل بكثير(من الرقم الحقيقي)”.
ويتوقع بعض المحللين ظهور تحالفات سياسية واستراتيجية جديدة في المنطقة، على خلفية السياسية الأمريكية الجديدة في جنوب آسيا، والتي حظيت برد فعل باكستاني “نادر من نوعه”.
وعموما، فإن تحسين العلاقات الاقتصادية مع الصين وزيادة التبادلات الدبلوماسية والعسكرية مع موسكو يمكن أن يصب في مصلحة باكستان.
وقال جبار خاتاك، محلل سياسي من كراتشي في باكستان -، “إذا كان ترامب قد أعلن سياسة ليّ الذراع هذه (ضد باكستان) قبل بضع سنوات، لكان هناك أمل بنجاحها برأيي”.
وتابع في حديث للأناضول: “إلا أن ديناميكية المنطقة تغيرت في ظل بعض التطورات الأخيرة، بما فيها تزايد الحصص الاقتصادية للصين في باكستان ضمن إطار مشروع الممر الاقتصادي بين باكستان و الصين، وتحسين العلاقات العسكرية مع روسيا المعادية سابقًا”.
والممر الاقتصادي بين بكين وإسلام آباد، بمثابة مشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى إنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر (في الصين) وميناء كوادر الباكستانية.
التكلفة الإجمالية للمشروع تقدر بـ 46 مليار دولار وتعول باكستان كثيرًا عليه لدفع عجلة اقتصادها وخصوصًا في إقليم بلوشستان الفقير.
وإلى جانب تحسين علاقاتها مع القوى الإقليمية الأخرى، تسيطر إسلام أباد أيضًا على العديد من طرق الإمداد إلى أفغانستان، وهذه الطرق تعتبر ضرورية بالنسبة لواشنطن لدعم حملتها الجديدة ضد الإرهاب، وفق المصدر نفسه.
ولفت خاتاك أن “رفع عدد القوات (الأمريكية في أفغانستان) يستوجب زيادة الإمدادات، وليس هناك طريق إمدادات آخر مناسب آخر إلى أفغانستان، سوى باكستان”.
وكشفت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون)، نهاية الشهر الماضي، أن عدد قواتها في أفغانستان يصل إلى 11 ألف “مقاتل”؛، بزيادة قدرها 2600 عما كان معلناً في السابق.
وحتى وقت قريب، كان المعروف أن تعداد القوات الأمريكية في أفغانستان لا يزيد عن 8400 جندي، إلا أن الرئيس ترامب، منح وزير دفاعه جيمس ماتيس، صلاحية زيادتها “وفق ما تتطلب الحاجة”، ومن دون الرجوع إليه.
وكانت تقارير إعلامية تحدثت، في وقت سابق، عن احتمال نشر 3900 مقاتل إضافي في أفغانستان، تنفيذاً للخطة الجديدة لترامب.
وتابع المحلل خاتاك أن “باكستان تجيد استخدام أوارقها بحكمة، مع مراعاة أهمية دورها الفعّال بما يخص الملف الأفغاني، فضلًا عن التطورات الإقليمية الأخيرة”.
ووفق المحلل، فإن ما تقدّم هو “ما جعل رد فعل إسلام أباد على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة قاسيا وغير متوقع، ليس فقط بالنسبة لواشنطن بل للكثيرين في إسلام أباد ذاتها”.
واستطرد قائلًا إن “واشنطن لم تتوقع هذا الرد بسبب سجل إسلام أباد القديم والضعيف، حيث أن ترامب كان يتوقع إذعان باكستان لتهديداته، كما فعلت عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية، إلا أنه نسي أن الأمور قد تغيرت، ولم يعد هناك عالم أحادي القطب”.
** دور الصين
من جانبه، توقّع السفير الباكستاني السابق لدى كابل، رستم شاه محمد، دورا أكبر لبكين في أفغانستان.
ويرى الدبلوماسي السابق أنه من الممكن أن تؤدي الصين دورا رئيسًا في عملية السلام والمصالحة في أفغانستان، نظرًا للعلاقات الودية بينها وبين باكستان وإيران، وهما دولتان رئيسيتان فاعلتان في المنطقة.
وفي حديث مع الأناضول، أشار إلى أن استراتيجية ترامب التي تسعى إلى تعزيز الدور الهندي في أفغانستان قد يدفع باكستان للتقارب مع الصين.
وأضاف أن “الصين دولة ليس لديها تطلعات للهيمنة الإقليمية والاستراتيجية، بل لديها فقط طموحات اقتصادية وتجارية لا اعتراض عليها في أفغانستان”.
كما اعتبر شاه محمد، الذي خدم في كابل بين عامي 2002 و2005، استراتيجية ترامب “نبيذ قديم في زجاجات جديدة”، معتبرا أن هذه التهديدات ليست جديدة بالنسبة لإسلام أباد.
وأضاف أن “الولايات المتحدة تتبع سياسة العصا والجزرة (العقاب والثواب) مع باكستان منذ عام 2002″، رافضا الرأي السائد بأن لباكستان تأثير على حركة “طالبان” الأفغانية.
وأشار إلى أن الحركة الأفغانية “لا تثق في إسلام أباد تحسبًا لأي تغيير محتمل في دعمها لأفغانستان، لاسيما في ظل الضغوط الأمريكية الجديدة، إلا أنها قد تتوجه للصين، التي تمتلك القوة الكافية لمواجهة أمريكا”.
واختتم الخبير السياسي حديثه قائلًا إن “الشيء الجديد الوحيد في السياسة الأمريكية هو فظاظتها، علمًا أنه من غير المنطقي أن تنجح القوات الإضافية بقوام 4 آلاف جندي في أداء المهمة التي فشل أكثر من 100 ألف جندي أجنبي بإنجازها”.
وفي 18 أغسطس الماضي، أعلن ترامب تغييرات جديدة في السياسات التي تنتهجها بلاده بكل من أفغانستان وباكستان والهند.
وأكد أن التغيير الجديد في سياسة بلاده تجاه أفغانستان سيستند على “الظروف بدل الوقت”، في إشارة إلى أن مهمة الجيش الأمريكي بأفغانستان، ستنتهي بتحسن الظروف الأمنية بها، وأنها غير مرتبطة بتاريخ معين.
واتهم ترامب في استراتيجيته باكستان بأنها تمنح “ملاذًا للإرهابيين”، وهو ما رفضته إسلام أباد وطالبت الرئيس الأمريكي بالتخلي عن هذا الخطاب.
الأناضول _ إسلام أباد