“حملات تطهير واسعة”، “بداية التنظيف الكبير”، “القضاء على المعارضة”.. بعناوين من هذا القبيل، لم تُخف الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنين 18 يوليو تخوفها من أن تُسفر محاولة الإنقلاب التي قامت بها مجموعة من الجيش التركي إلى تعزيز ما أسمته بـ “الإنحراف السلطوي” للرئيس أردوغان. واعتبرت أن هذا الإنقلاب الفاشل يُهدي بالفعل لرئيس الجمهورية التركية فرصة لا تُعوض لمنح نفسه كامل الصلاحيات.
أوقفت السلطات التركية ما مُجمله 103 جنرالا وأميرالا ينتمون إلى أسلحة الجو والبر والبحر ومن شتى المناطق في أعقاب محاولة الإنقلاب العسكري التي شهدتها البلاد في الليلة الفاصلة بين يومي الجمعة 15 والسبت 16 يوليو 2016، حسبما أوردت وكالة أنباء الأناضول القريبة من الحكومة التي نشرت قائمة مفصلة بأسماء الموقوفين. وقد لقي أكثر من 290 شخصا – من بينهم حوالي 100 انقلابي – مصرعهم خلال محاولة الإنقلاب طبقا لآخر حصيلة أعلنت عنها وزارة الخارجية في أنقرة. وهو الإنقلاب الذي سرعان ما تحول إلى فشل ذريع، مثلما لاحظت معظم الصحف السويسرية الصادرة هذا الإثنين.
عنوان افتتاحية صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان) كان الآتي: “انقلاب هزلي لكنه تراجيدي” أما صحيفة “برنر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في برن) فكتبت تقول: “بدلا من استثارة رد فعل تجاه أردوغان، قام الإنقلابيون بتوليد سيل جارف من التضامن نحو الرئيس”. أما “لا ريجيوني” (تصدر بالإيطالية في بيلينزونا) فشبّهت ما حدث بـ “مُخرج كتب السيناريو المثالي لانقلاب عسكري مُصمّم لكي يفشل بالفعل ويُهدي انتصارا سياسيا للرجل الذي كان يُفترض أن يكون ضحية له”.
سويسرا – تركيا
يعيش حوالي 120000 شخص من ذوي الأصول التركية في سويسرا. في المقابل، يُقيم حوالي 3700 سويسري في تركيا.
في عام 2013، بلغت قيمة الصادرات السويسرية نحو تركيا حوالي ملياريْ فرنك، مقابل 1.2 مليار فرنك من البضائع والمنتجات التي استوردتها سويسرا من تركيا.
من جهتها، تلاحظ صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في زيورخ) أنه اتضح أن الأتراك، بمن فيهم أغلبية السكان من ذوي التوجهات العلمانية، لم يعودوا راغبين في هيمنة العسكريين، وذلك بالرغم من كل الغضب الذي يكتنزونه تجاه أردوغان ومن كل المخاوف المرتبطة بالإرهاب. وتضيف الصحيفة أن “هذا الإنقلاب الذي أُعـدّ بطريقة غير احترافية والذي قُوبل بالرفض من طرف الشعب لم يكن مآله إلا الفشل، إلا أنه لأمر مأساوي أن يستنتج المرء أن الديمقراطية التركية لن تخرج منه أكثر قوة بل أردوغان لوحده”.
عودة عقوبة الإعدام؟
هناك رأي تُشاطره الأغلبية الساحقة من كتاب الإفتتاحيات في اليوميات السويسرية يتلخص في أن “المسألة تبدو للوهلة الأولى وكأنها انتصار للديمقراطية، لكن الديمقراطية التركية لن تخرج مُعززة من هذه العملية الإنقلابية المُجهضة حيث يُفترض الآن أن تزداد النزعات الإستبدادية التي تطورت في السنوات الأخيرة تحت حكم أردوغان قوة بفضل هذه المحاولة الإنقلابية”، مثلما جاء في قراءة صحيفة “أرغاور تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في آراو) لما حدث.
في السياق، اعتبرت صحيفة “لاتريبون دو جنيف” (تصدر بالفرنسية في جنيف) أن “انقلاب الجمعة المُجهض سيُسهم في إلحاق الضرر بالديمقراطية في تركيا. فالعسكريون المغامرون الذين كانوا يظنون أنه بالإمكان “إعادة إقرار الديمقراطية” وسط الدماء هم أول المسؤولين عن ذلك. كما أنهم سيكونون أول الضحايا. ذلك أن مُحاولتهم ستُوجّه ضربة مُوجعة إلى مؤسسة لا زالت تريد أن تكون وريثة لتركيا العلمانية والحديثة والمتغربة التي أرادها مصطفى كمال اأتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية”.
من جهتها، سجّلت صحيفة “ليكسبريس” (تصدر بالفرنسية في نوشاتيل) أن “عمليات التطهير المكثفة” قد بدأت بعدُ. فقد تم إيقاف حوالي 3000 عسكري منذ يوم الجمعة الماضي، “ما قد يُغري الرئيس أردوغان بمحاولة القضاء على كل معارضة له”، حسب زعمها. أما “لا ليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ)، فلفتت إلى أن أردوغان تطرق إلى احتمال إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي ألغيت منذ عام 2004، منوهة إلى أنه “يُريد الحسم نهائيا مع “المنظمة الإرهابية” التي يقودها الداعية المسلم فتح الله غولن”، وملاحظة من جهة أخرى أن “الرئيس يخرج من هذا الإنقلاب وهو أكثر شعبية من أي وقت مضى”.
نحو “ديكتاتورية مدنية”؟
مُقاربة أردوغان تثير أيضا مخاوف صحيفتي “در بوند” و”تاغس أنتسايغر” – اللتان خصصتا على غرار بقية الصحف السويسرية عناوينها الرئيسية للأحداث التي شهدتها تركيا في نهاية الأسبوع – من حدوث الأسوإ، فقد “أقال أردوغان أو أطرد بعدُ حوالي 3000 قاض واعتقل آلاف الجنود والضباط وأيّد إعادة العمل بعقوبة الإعدام. فالرئيس التركي كرّس احتقارا عميقا لمنافسيه وللصحافيين المستقلين ولموظفي العدالة إضافة إلى أعضاء المعارضة”، حسب الصحيفتين.
وعلى غرار العديد من الصحف الأخرى، أشارت اليوميتان الصادرتان بالألمانية إلى خطاب الكراهية الذي ألقاه أردوغان أمام أنصاره يوم الأحد 17 يوليو في استانبول وصرح خلاله: “سنواصل القضاء على الفيروس من كل مؤسسات الدولة (…)، مع الأسف، لقد انتشر هذا الفيروس كالسرطان في كل الدولة”. وفي هذا الصدد، كتبت “در بوند” و”تاغس أنتسايغر” أنه “عوضا عن مدّ اليد إلى أولئك الذين ينتقدونه، يُعبّد الرئيس الطريق بوجه ديكتاتورية مدنية. وبعد محاولة الإمساك بالسلطة الفاشلة من طرف عسكريين، هناك الآن تهديد بحدوث انقلاب من طرف أردوغان”.
أي انعكاسات مرتقبة على المنطقة؟
بدورها، أعربت صحيفة “لوتون” عن الخشية من الإنحراف التسلطي للرئيس التركي ومن تداعياته على مستوى الجغرافيا – السياسية، وذهبت إلى أن “سياسته المتذبذبة في منطقة ملتهبة، جعلت منه عامل خطر إضافي أكثر بكثير مما هو عنصر استقرار. وقد ازداد الخطر بعد هذا الإنقلاب المُجهض. إن حجم “التطهير” الذي بدأ في صفوف الجيش وداخل الجهاز القضائي التركي أيضا يُنذر بعمليات “تطهير” محتملة تُجاه جميع المعارضين، حقيقيين كانوا أم مُفترضين، الذين لا زال بإمكانهم قطع الطريق على الرئيس – السلطان”.
صحيفة “كورييري ديل تيتشينو” (تصدر بالإيطالية في لوغانو) أشارت إلى أن مشروع أردوغان الرامي إلى تعزيز سلطة رئيس الدولة بشكل ملحوظ عبر إصلاح دستوري يتوفّر الآن على احتمال أكبر بكثير لكي يُصبح واقعا ملموسا. وهو سيناريو قد تكون له انعكاسات مقلقة خارج حدود هذه الدولة – العازلة بين الغرب والشرق الأوسط لأنه “بتعلة تأمين الأوضاع في البلد، يُحتمل أن تتعرض الديمقراطية التركية الهشة أصلا إلى انتكاسات شديدة جديدة، ما يعني أن أردوغان قد يُخاطر بإبعاد تركيا أكثر من أي وقت مضى عن أوروبا والولايات المتحدة”.
رغم كل شيء، يبقى من الصعب التكهن بمآلات الأمور بحكم الغموض الشديد الذي يُحيط بالأوضاع على المستوى الدولي إضافة إلى أن “جنون العظمة، والهواجس، والتناقضات، والتحركات السياسية الغرائبية لأردوغان تجعل أيّ توقعات شبه مستحيلة”، كما تقول صحيفة “لا ريجيوني” الصادرة في كانتون تيتشينو.