في سبتمبر/ أيلول الماضي، كتبت في هذه الزاوية “نحن على أعتاب مرحلة سوف تُنتزع فيها السيطرة على الخريطة السياسية السورية، من تنظيمات كوحدات حماية الشعب وداعش وتحرير الشام”.
هذه المرحلة بدأت رسميًّا قبل أيام مع المحادثة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
عقب المحادثة أعلن البيت الأبيض أنه سيقطع تسليح وحدات حماية الشعب، ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا. وتتداول الكواليس أن الصقور في إدارة ترامب عانوا صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار، وعلى الأخص مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر.
تشير هذه الخطوة قبل كل إلى أن الحماية الروسية الأمريكية لوحدات حماية الشعب في طريقها إلى الزوال. ويبدو أن مشروع البنتاغون بشأن “شمال سوريا” هو الآخر ينهار، بعد “مشروع روجاوة”.
فالاستراتيجية الجديدة لن تقتصر على قطع التسليح فقط، والرئيس الأمريكي يريد إعادة الأراضي التي استولت عليها وحدات حماية الشعب إلى دمشق. ولهذا تشعر الوحدات والأوساط الداعمة لها بقلق شديد.
رسالة ترامب إلى أردوغان حول قطع دعمه لوحدات حماية الشعب كان لها أصداء واسعة في الإعلام العالمي. فهيئة لإذاعة البريطانية تحدثت عن “تحول كبير في قرار ترامب”، فيما قالت سي إن إن “مع انتهاء داعش ينتهي تسليح وحدات حماية الشعب”.
وقالت نيويورك تايمز إن “القرار سيخفض التوتر الأمريكي التركي”، بينما أشارت ووردبرس وروسيا اليوم إلى “خيانة تعرضت لها وحدات حماية الشعب”.
بدورها كتبت هاآرتس الإسرائيلية أن “ترامب أسعد تركيا، ووجه ضربة كبيرة لطموحات وحدات حماية الشعب”.
وفي الواقع، فإن ميسر جيفورد، وهو بريطاني قاتل إلى جانب وحدات حماية الشعب، قال قبل بدء عملية الرقة إن على الأكراد ألا يثقوا كثيرًا بالولايات المتحدة، مشيرًا أن الاتفاق المؤقت ذو الأهداف التكتيكية يوشك على الانتهاء.
ولا شك أن قرار ترامب يعني الانسحاب من سوريا، بيد أن وزير الدفاع جيمس ماتيس يؤكد على إبقاء بلاده ألفي جندي في سوريا بهدف الحصول على تنازلات من الأسد إلى حين انتهاء مفاوضات جنيف، وعلى مواصلة استخدامها وحدات حماية الشعب.
وكان بعض المسؤولين الأمريكين أكدوا أنهم يخططون لكسر نفوذ طهران ودمشق في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب. غير أن الجميع يعلمون أن ترامب يعمل على بعض المشاريع التي ترمي للانسحاب من سوريا حتى عام 2019.
أفضل من حلل قرار ترامب هو السفير السابق في أنقرة جيمس جيفري، الذي قال: “انتهت الحرب التقليدية مع داعش، ونعمل الآن من أجل إنجاح استراتيجية أكبر. لكننا لن ننجح دون تركيا. إذا أردنا البقاء في سوريا علينا إصلاح علاقاتنا مع تركيا”.
بطبيعة الحال، كان من الصعب جدًّا على الولايات المتحدة أن تثبت أقدمها في سوريا، وهي تخاصم تركيا أقوى بلد في المنطقة.
وفي هذا السياق، قرار ترامب بشأن وحدات حماية الشعب هو بمثابة رفع العلم الأبيض بالنسبة للولايات المتحدة، ورمي المنشفة في سوريا بالنسبة للبنتاغون بعد وكالة الاستخبارات المركزية.
ترك برس